الجمعة، 27 يناير 2012

لإبداع والقذارة

الإبداع والقذارة


سلوى ياسين - seloua.yassine@gmail.com

لا أحب «الخبز الحافي» لمحمد شكري، لأنني حين أقرؤها تترك بداخلي أثرا سيئا مقيتا، وهناك رائحة تفوح من أغلب كتاباته لا أطيقها، فليس هذا هو الأثر الذي أرجوه من قراءة رواية باعتبارها النوع الأكثر عمقا بين كل الأنواع الأدبية. يقول الأصدقاء: «هذه طريقتك لكي لا تتقبلي الواقع»، وتسقط عليّ كلمة الواقع وكأنها اكتشاف جديد، ما معنى الواقع في الإبداع وما العلاقة التي تربط بين الاثنين؟ أرى أنهما لم يفترقا يوما، لكن هل يعني ذلك أن الرواية أو الفيلم السينمائي، مثلا، يجب أن ينفث في وجهنا كلمات بذيئة ويلعن ويسب ليؤكد لنا العلاقة الحميمية التي تربط الإبداع بالأرض التي نمشي عليها؟ هل هذا الواقع لا يتكون سوى من عاهرات وشواذ ومن زنى المحارم؟ ولماذا لا يرى السينمائي والروائي بين مكونات هذا الواقع الهوية والقيم والثقافة، ألا تكون كلها الجزء الأهم من هذا الواقع؟ ثم إن هناك سؤالا آخر يحيرني: لأي نوع من الجمهور تنتج تلك الأنواع من الأفلام؟ سيقول البعض إننا مصابون، على ما يبدو، بالفصام لأننا نـُقر بوجود هذه القذارة في الواقع وحين نصادفها في رواية أو فيلم نرميها بالأحجار؛ والحال أن أهم ما نتوقعه من هذا النوع من الإبداعات هو مساعدتنا على فهم الواقع لا التفرج عليه وحسب.
يقول الدارسون للأدب المقارن والنقد السينمائي إن هناك روايات في الأدب العالمي أشد «قذارة»، وإنني -بهذا- أتحامل على مبدعي «الهامش» في الأدب، وأقيد من حرية السينمائي. لكن، لماذا لا أشعر بنفس الغضاضة التي أشعر بها إزاء قذارات «شكري» حين أقرأ قصص «إدغار ألان بو» أو حتى أشعار «إزارا باوند» القوية، وأظن أنه ليس للسوداوية والبؤس اللذين ينثرهما «ديكنز» في رواياته نفس الوقع الذي لشبيههما في الرواية المغربية، لأن انتظاراتي كمغربية من الإبداع المغربي ليست هي نفس انتظارات «بول بولز» الأمريكي أو القارئ الإنجليزي من الرواية المغربية، ولأن القذارة والبذاءة في فيلم مغربي تؤذيني أكثر مما يفعله التلوث اللفظي والبصري الموجود بسخاء في الأفلام غير المغربية، لأن كلمة نابية بالدارجة أو باللغة العربية أو باللغة الأمازيغية ليس لها عليّ نفس الوقع الذي يكون لها إذا كانت بلغة أجنبية. هنا، على ما يبدو، يأتي كل الألم في تعامل بعض السينمائيين والأدباء المغاربة مع الواقع، إنهم يرون المغرب وآلامه بعيون غير مغربية وبأدوات فنية ليست دائما «made in» المغرب.
ورغم أن الفن ليس بالضرورة نسخة طبق الأصل عن الواقع، فإن بعض المخرجين اليوم لا يرون في الواقع سوى بركة آسنة يتمرغون في وحلها، خصوصا حين يحلو لهم أن يصوروا معاناة الشواذ عوض معاناة أهاليهم أو تعقب تفاصيل حياة فتاة ليل وما تلقاه من إهانات عوض أن تلتقط الإهانات التي تتعرض لها امرأة أخرى في نفس الليل. هل على الفن أن يكون شاذا عن القاعدة، قذرا، تفوح منه تلك الرائحة لكي يكون واقعيا؟ وما الإضافة التي سيهديها الفن للناس حين سيستمر في لعب نفس الأدوار التي سيقوم بها الفيلم الوثائقي والصورة الفوتوغرافية والأنترنيت التي يمكنها اليوم أن تنسخ هذا الواقع ببذاءته وأدرانه ببراعة وبدقة لا مثيل لها.
أغلب المبدعين يرون أن الحكم الأخلاقي على الفن تخلف، لكن الحكم الثقافي لا مفر منه اليوم؛ فبعدما قضينا عمرا طويلا من حياتنا نفرق بين كل الأنواع والمدارس والرياح والاتجاهات الفنية ونحفظها عن ظهر قلب مثل تلاميذ نجباء، فخورين بأننا نعرف عن الفرنسيين والإنجليز والروس وغيرهم أكثر مما نعرفه عن أنفسنا، حان الوقت لكي نبحث عن طريقتنا الأصيلة الخاصة التي تشبهنا، عن مدرستنا نحن، ورؤيتنا المغربية الخالصة في معالجة الواقع، نترك فيها أثرنا نحن كهوية وكثقافة مختلفة. وليكن الخيال والتفرد والابتكار أدواتنا التي لم تخن يوما الإبداع والمبدعين.

الاثنين، 5 دجنبر 2011

المهرجان العربي للزجل بأزمور يطرح سؤال الهوية الثقافية

عبد الودود وشان

ينظم المرصد الوطني للشباب والتنمية بمدينة أزمور من 19 الى 22 يناير 2012 المقبل فعاليات الملتقى العربي الثاني للزجل تحت شعار «الزجل والهوية الثقافية». و أوضحت مصادر قريبة من اللجنة المنظمة، أن الدورة الثانية ستحمل اسم المبدع والفنان أحمد الطيب لعلج.

و سيشارك في هذا الملتقى مبدعون عرب كضيوف شرف، حيث سيشاركمن الجزائر توفيق ومان، رئيس الرابطة الوطنية للادب الشعبي و عضو اللجنة الدائمة العليا لاتحاد الرواد و المبدعين العرب بجامعة الدول العربية،و عائشة بوسحابة، في حين سيشارك من تونس عبد اللطيف بلقاسم ومن مصر محمد رمضان ومن سوريا شاهر خضرة ومن لبنان جورج زكي الحاج فضلا عن مشاركة أكثر من ثلاثين زجالا من المغرب في مقدمتهم احمد لمسيح و ادريس المسناوي و محمد الراشق و ادريس بلعطار و نهاد بلعكيدة و محمد مومر و ادريس لمرابط ومحمد عزيز بنسعد و حبيبة الزوكي و احميدة ببالي و عبد الكريم ماحي.......



وقال المدير الفني للمهرجان العربي الثاني للزجل، نبيل فهمي، ان الملتقى الوطني الأول للزجل الذي نظمناه السنة الماضية كان بمثابة جسر للعبور نحو طاقات واعدة ومبدعة استحقت التكريم فكان لنا معها أول لقاء مغربي محض بعدها أخذنا على عاتقنا الاستمرار فكان الملتقى لهذه السنة ذو صبغة عربية تقديرا منا لكل الزجالين المغاربة والعرب على السواء احتراما للكلمة.. للنسمة.. للنغمة المعبرة التي تحلق في سماء الوطن العربي تعزف لحنا واحدا وتتكلم لغة واحدة في حضن آزمور العريقة والمجيدة حيث أخذنا على عاتقنا الاستمرار وستكون لنا محطة ثانية أيام 19/20/21/22 يناير 2012 تحت شعار "الزجل و الهوية الثقافية " محطة يحضرها أكثر من ثلاثين زجالا وزجالة مغربي و مغربية وست زجالين وزجالات من العالم العربي.

ويتضمن برنامج هذه الدورة فقرات متنوعة وزيارات لفضاءات ثقافية واجتماعية وتعليمية، بالإضافة إلى أمسيات عامة بمجموعة فضاءات داخل المدينة و كدا لقاءات مفتوحة مع تلاميد المؤسسات التعليمية بالاضافة الى الندوة العربية التي ستحاول الاجابة عن سؤال الزجل و الهوية القافية و بين الفقرات المتميزة داخل الملتقى هي المسابقة الوطنية للزجالين الشباب، كما سيعرف الملتقى تنظيم أمسية موسيقية غنائية.بمشاركة المجموعة المتميزة مجموعة الوان و الفرقة الغيوانية مجموعة الحال و مجموعة الروح للموشحات العربية. وستتميز هذه الدورة ايضا بتوقيع اتفاقية شراكة بين المرصد والاتحاد المغربي للزجل وكذا بتنظيم حفل توقيع دواوين لمجموعة زجالين وزيارة جماعية للمآثر التاريخية بآزمور.

ويسعى المرصد من خلال تنظيم هذا الملتقى الى دعم المواهب الشابة داخل المدينة والوطن و العالم العربي وخلق إشعاع ثقافي داخل مدينة أزمور ومد جسور التواصل بين الزجالين المغاربة والعرب و الانفتاح على التجارب الزجلية العربية، والعمل على التأسيس لملتقى عربي دائم بمدينة أزمور، وكذا رد الاعتبار لمدينة أزمور ثقافيا وفنيا باعتبارها مدينة عريقة ضاربة بجذورها في التاريخ وغنية بالتراث الشعري الأصيل المتمثل في شعر الملحون الذي أنتج مبدعين كثيرين وروادا ما زال صيتهم حاضرا وفاعلا في كل المدن المغربية.

وللإشارة فقد نظمت الدورة الأولى للزجل بمدينة أزمور في فبراير الماضي تحت شعار " الزجل في خدمة قضايا الوطن"

الأربعاء، 12 أكتوبر 2011

الحــــــــــــــــــــــــــــارس

الحــــــارس
محمد البساطي

صدر الحكم أخيراً ويقضي بتحديد إقامتي في البيت مدة ثلاثة شهور. التهمة شغب ومشاركة في إعداد التظاهرات ضد نظام الحكم.

خرجت من الحبس. الشرطي الذي سيرافقني كان في انتظاري، شديد النحول وتجاعيد رفيعة منتشرة على رقبته الطويلة الشبيهة برقبة الأوز.

ركبنا الأوتوبيس واتجهنا الى البيت. مفتاح الشقة معه استلمته من الأمانات حيث احتفظوا بأشيائي لحين خروجي.

فتح الباب وتنحّى جانباً حتى دخلت، تبعني وأغلق الباب بالمفتاح، واحتفظ به في جيبه. تجول في الشقة، فتح أبواب الحجرات الثلاث ودورة المياه ونظر داخلها، حدّق من خلال النوافذ إلى الخارج ثم واربها.

كنت واقفاً في الصالة أتابعه، دخل حجرة الضيوف وعاد حاملاً حصيراً ومخدة ولحافاً وبطانية. أعدّ فرشته خلف باب الخروج. قال: «حانام هنا».

بحثت عن «السبت» وقبل أن أدليه قلت إنني سأطلب سندوتشات فول وطعمية وشاياً وسكراً. وسألته إن كان يريد شيئاً آخر؟

قال: سجاير كليوباترا

ناديت البواب من النافذة، ووضعت نقوداً في «السبت» ودليته.

جلست على مقعد غير بعيد منه. سألته:

والزوار؟

ممنوع.

بعد أن تناولنا عشاءنا، تربع على فرشته يدخن سيجارة. كان يتثاءب ويقاوم النوم. في النهاية سألني:

موش حاتنام؟

آه.

توجهت إلى غرفة النوم. قال:

سيب الباب موارب.

ليه.

عشان أبص عليك. وممنوع الكلام أو الرسائل من الشباك.

في الصباح وجدته يشرب الشاي ويدخن السيجارة متربعاً على الفرشة. قلت:

حادخل الحمام. أسيب الباب موارب؟

رمقني بنظرة متمهلة ولم يرد.

وكنت واقفاً أنظر من الشباك إلى الشارع، والمقهى أمامي. قلت:

آه والله. كنا قعدنا شوية في القهوة. ندخن شيشة. ونفطر سجق من العربة الواقفة جنب الرصيف، قلت إيه؟

نهض. نظر من الشباك إلى الاتجاهين. قال:

ماشي.

غيّرنا ملابسنا وخرجنا.

اختار مكاناً خارج المقهى. بعيداً من الزبائن المنتشرين أمامها، ربما كان الكثيرون منهم وصاحب المقهى على علم بما يجري معي، كنت زبوناً شبه دائم له. يستقبلونني بتحيات مرتفعة الصوت، الآن يتجاهلون دخولي، وصاحب المقهى يدير وجهه إلى الناحية الأخرى. قلت لنفسي:

فيهم الخير.

بعد أن أخذنا جلستنا عدنا إلى الشقة. قال بعد دخولنا:

المكان عايز تنظيف.

ونجيب منين اللي تنظف؟

عندي.

عندك ازاي؟

مراتي.

مراتك؟

آه. تنظف البيوت. عندها كام شقة. وأصحابها مستريحين لها، آهي تساعد. العيشة صعبة.

وأولادك يقعدوا مع مين؟

معنديش.

اللي تشوفه.

أبعت جواب صغير لها مع الواد اللي بيشتغل في القهوة. واديه قرشين أجرة الأوتوبيس وتعبه.

كتب الجواب لامرأته وعنوان شقتي وشقته. وضعته في «السبت» ودليته للبواب.

وقفنا بالنافذة، ورأيناه يعطي الخطاب لصبي المقهى الذي رفع رأسه وأومأ موافقاً.

جاءت في الظهر. امرأة سمينة في منتصف العمر.

قال الحارس:

نقعد في القهوة لغاية ما تخلص.

جلسنا في المكان السابق نفسه. وكنا نتناول سندوتشات السجق حين أشار برأسه إلى الشقة. طلبت بعضاً منها وأرسلتها لامرأته مع البواب.

بعد ساعتين نظرت من الشباك، فصعدنا إلى الشقة.

كل شيء مرتب ونظيف. كانت ترمقني تنتظر ما أقول. قلت:

تسلم ايدك.

في الليل قضيا سهرتهما أمام التلفزيون يشربان الشاي ويتسليان باللب.

كنت أقرأ كتاباً في غرفتي بعد أن استأذنته في إغلاق بابها، أومأ موافقاً.

في الصباح وجدتها صاحية تشرب الشاي وتأكل ما تبقى من طعام العشاء.

أشارت برأسها إلى غرفة الضيوف:

لسه نايم. حايصحى متأخر. أصله سهر مع التلفزيون. باقولك إيه؟

وابتسمت خفيفاً:

أنا ما أقدرش أنزل. تنزل أنت. تشتري شوية حاجات، ولو صحا حاقوله أنني اللي قولت لك تنزل.

أومأت ساكتاً. قالت:

تشتري لي فوطة وشبشب، شوف الشبشب اللي في رجلي شكله ازاي. أنا موش عاجبني الأكل اللي بتاكلوه. هات ورقة وقلم واكتب اللي أقول لك عليه علشان ما تنساش حاجة.

أحضرت ورقة وقلماً. قالت:

عايزة مسحوق غسيل عشان الهدوم. وجوزي بيحب السمك المقلي. وأنا كمان. تشتري لنا سمك. وبالمرة تذوق أكل ايدي. وماتنساش الطرشي. وزيت. ورز. وبصل أخضر. كتبت؟ وصابون بريحة. الصابونة اللي هنا نشفت وريحتها موش حلوة.

سكتت.

استدرت لأخرج. جاءني صوتها:

ولو منديل رأس حلو كده على ذوقك.

خرجت. وسمعت الباب يغلق ورائي.

العلامة تمام حسان في ذمة الله

العلامة تمام حسان في ذمة الله

انتقل إلى رحمة الله عصر اليوم، الثلاثاء 10 من شهر أكتوبر الجاري، العلامة اللغوي تمام حسان عن سن يناهز 93 سنة.

وتمام حسان علم نحوي عربي من مواليد 1918 بقرية الكرنك بمحافظة قنا بصعيد مصر، صاحب كتاب"اللغة العربية معناها ومبناها " الذي وضع فيه نظرية خالفت أفكار النحوي الكبير سيبويه.

ويعد تمام أول من استنبط موازين التنغيم وقواعد النبر في اللغة العربية، وقد أنجز ذلك في أثناء عمله في الماجستير عن لهجة الكرنك، والدكتوراه عن اللهجة العدنية وشرحه في كتابه "مناهج البحث في اللغة".

ويعتبر العلامة تمام حسان من مؤسسي الجمعية اللغوية المصرية عام 1972م، وكان أول رئيس لها وأنشأ أول قسم للدراسات اللغوية بجامعة الخرطوم في السودان، كما أسس بجامعة أم القرى قسم التخصص اللغوي والتربوي وتولى أمانة اللجنة العلمية الدائمة للغة العربية بالمجلس الأعلى للجامعات المصرية وانتخب عضوًا بمجمع اللغة العربية عام 1980م.

أشرف الدكتور تمام على العديد من الرسالات الجامعية في مصر والدول العربية.

الاثنين، 10 أكتوبر 2011

إلى شاعرة «المطبخ»...



إلى شاعرة «المطبخ»...
سلوى ياسين - seloua.yassine@gmail.com

حين قرأت شِعركِ لأول مرة، ومنذ أن وقع لك الشاعر الكبير صك شاعريتك الفذة، وأنا لا أصدق أنك تفضلين أن تبقى قصائدك محمية من النشر والتأويل. ورغم هذا الكم الهائل من الشعر الذي تتعثرين به على الجدران الافتراضية والورقية، مازلت تمانعين في إنشاء بيتك الشعري. هل ستضيع كل تلك الأشعار الرائعة، التي «اقترفتها» لسنوات على إيقاع رائحة القهوة والزعفران، لمجرد أنك تدونين فيض أشعارك على ظهر أوراق الفواتير، وعلى نفس طاولة الرخام الذي قطعت عليه أصابع الجزر واللحم؟ كيف خلصت إلى أنك لست شاعرة.. هل لأنك تنظمين من داخل المطبخ أم لأنك صنعت عزلة الإلهام داخل صالون مغربي وليس داخل حانة أو بهو فندق؟ هل تصدقين شعر النساء المكتوب على طاولة نبيذ أو ذاك الذي يخرج من أمكنة «ميتافيزيقية» تخترعها الشاعرات لإسكان القصيدة؟ فمن الكاتب والشاعر اليوم، هل هو ذاك الذي يصدر رواية أو ديوانا كل عام أم ذاك الذي يتسلى يوميا بملء ما تبقى من ورق افتراضي ويجمع حوله زمرة من المريدين والمريدات؟
أنتِ تصرين على أن تظلي شاعرة مجهولة الهوية، لأنْ لا أحد بعد تذوق طعم قصائدك الطازجة مثل خبز الصباح، وترجئين موعد نشر الديوان الأول إلى زمن يتوقف فيه الناس عن قراءة نصوص النساء وفق تقاليد الحزب والجماعة المقدسة، ويتخلون عن هواية التنقيب في الكلمات عن مواعيد الغرام المسروقة. لا تتوجسي من فضيحة الشعر العلني، فلا أحد اليوم يأخذ ما تكتبه النساء على محمل الشعر، إلا إذا كان مجنونا مثل صيحات الموضة أو إذا لبس ثوبا نسائيا سافرا وجوري اللون.
وتتجنبين إخبار التلفزيون عن صنائعك اللغوية الجميلة، لكي لا يتزامن مع الموسم السنوي للاحتفال بالعنف ضد النساء. فمن سيأتي لاكتشاف شعر تبثه امرأة مباشرة من داخل منزل، على شاكلة برامج اكتشاف نجمة الطهو؟ رغم أنني أظن أن المطبخ أفضل مكان للكتابة بالنسبة إلى امرأة قضت فيه كل هذا العمر، وتحول مع التقادم إلى مكانها التاريخي وخلوتها الملهـِمة. ولا أستغرب قدرتك على الاعتناء بالكناية والتشبيه وتشييد الصور في قصيدة تـُكتب بالقرب من الفرن، وبراعتك في نصب شرائك للمعنى وشبيهه، ومدح الشيء ونقيضه دون أن تتركي دلائل على تلك الجرائم الشعرية، لقد تـَعلمتِ حيل صنع القصيدة من طول تمرسك بالطبخ ومن براعتك في استدراج العسل والملح وفاكهة التين في نفس الأكلة.
ولأنك تؤمنين بأن الجمال هو مسؤوليتك الأكثر شعبية، يحلو لك في الشعر تحويل اللغة إلى حقل للتجريب والتجميل، وتنتقلين بسلاسة من عملية خلط التوابل إلى هواية خلط اللغة، وتؤمنين بقدرتك على تنقيتها من التلوث مثلما تخلصين الأرز من الحصى. تنازلين اللغة العربية وتدللينها بتاءات التأنيث مثل جوارٍ يمتهن الغنج. وبالإكثار من مفردات بالألف الممدودة تصنعين جنودا متأهبة للدفاع عنك، أما حرف «الثاء» فهو بمداد قلمك قادر على إشعال «ثورة».
كم من قصيدة كتبت منذ أن زارتك أحلام المراهقة الأولى؟ حينها بدأت تشككين في شرعية الأنوثة وتراوغينها بالمفردات الخشنة وتنبهت إلى الاستعمالات الأخرى لصمت الليل غير الانتظار. لكنك حين أدركت أن الشعر شخص نزق، مزاجي، ولا يصلح لتكوين أسرة تزوجت بالرجل الآخر. وأرخت بالشعر لتاريخ ولادة الصغار وكتبت مرثية لتأريخ الألم والإجهاض. ومع أن أغلب أشعارك كتبتها على إيقاع صوت أطفالك، وبالرغم من محاولاتك منح القصائد شَعرا طويلا ووشاحا من حرير ونثرت عليها عطرك الخاص، هناك من يضعون قوانين صارمة ضد هجرة الشعر المؤنث صوب الضفة الأخرى من الأحلام. وما زالت بعض المصابات بحمى «المساواة» لا يجدن حرجا في التصريح بأنْ لا فرق بين كتابة الرجال وكتابة النساء.

السبت، 24 شتنبر 2011

الدورة التاسعة لجائزة عبد الله كنون

الدورة التاسعة لجائزة عبد الله كنون للدراسات الإسلامية والأدب المغربي

تنظم مؤسسة عبد الله كنون للثقافة والبحث العلمي بطنجة الدورة التاسعة لجائزة عبد الله كنون للدراسات الإسلامية والأدب المغربي.وذلك في المحورين التاليين: الدراسات المهتمة بالقضايا الاسلامية المعاصرة والتي تعالج واقع المسلمين وتطرح حلولا لبعض المستجدات والمشاكل التيب تؤرق شبابنا وتشغل كافة شرائح مجتمعنا، الأدب المغربي على عهد الدولة العلوية: الدراسة والتحقيق، الأدب المغربي من خلال أعمال الأستاذ عبد الله كنون: التأليف - التحقيق - النقد - الإبداع. وتقبل الأعمال المرشحة في المجالين المذكورين وفق الشروط الآتية:
- الجدة والمستوى العلمي الرفيع مع التوثيق وضبط الاشعار والشواهد وذكر مصادر البحث ومراجعه
- الالتزام بالمحورين المحددين
- أن لا يكون الباحث قد سبق له المشاركة في الجائزة في الدورات السابقة، وأن لا يكون البحث قد سبقت المشاركة به في مسابقة أخرى
- أن لا يقل البحث عن خمسين صفحة
- أن يرقن على الحاسوب ويبعث إلى المؤسسة قبل نهاية شهر ماي 2012

الجمعة، 23 شتنبر 2011

مداخل ... حسن المددي

حسن المددي
مداخل
إمدادات هذا الكاتب حسن المددي 10 مايو 2006


-1-
قالت لي الأشجار ذات أمسية :
إذا حاولت اعتقال طيور الشعر
بعصمتها،
لا تبدد أحلام الجبال بما
ينز من دوامة الحُفَرِ
-2-
سلوا حبيبتي يوما
إذا مرقت
رذاذ ضياء
عن وجهي المنثور
كأحجية
على أرصفة العُصُر ِ
-3-
حين يعيرني الفجر عباءته
حتما سأصير يوما غلالته
وأدفن أردان الغوص
في شعلة العمُر
إذا تلوكني
شطحات الصحو
أشرعة ً
يناوشها غب الرحيل
غثيان الرغبة الملغاة
في الزمن
-4-
قالت لي الشمس
حين حملت لها
بروق دمي :
لاتبرح هذا الغصن ففي
أرومته
تتوغل كينونة السؤال
وصبوة الإصرار ..
-5-
وأدت في عتمة غبني
لوعة الحلم
فصار الوجه قناعا
يدبج لوثة أصقاعي
-6-
حين عادت حبيبتي اليوم
تسألني
قطرة ضوء
أدركت أن لايقن
تقلني سفائنه
وتجلت لي ندوب العقم
وامقة
نسغ الوشم
تسامق الكلمة الحبلى
بأصداف الحلم
-7-
حبيبتي قد غدت
أفقا
يمتد..يمتد ..
في المدى المسكون
بالألق .
-8-
سأذبح على ضريحها المنقوع
في تباريج الصفو المسجور
بقايا أغنية
ناخت يوما ..
على ضفاف أغنيتي
-9-
حبيبتي..
قد غدت
وطنا
بأكمله
تسافر في
شروق غدي
-10-
إسألوا طفولة هذي الشمس
إذا رنمت
أهداب ملحمتي
عن حبيبتي
ومحتدها
وصلوا في أرجاء عاصفتي
فهي حتما ..
حديقة عشق
-11-
حبيبتي ..
نجمة ..
تتشظى ..
حينما أدركت
شكل صورتها
في عنج الماء .