الدورة التاسعة لجائزة عبد الله كنون للدراسات الإسلامية والأدب المغربي
تنظم مؤسسة عبد الله كنون للثقافة والبحث العلمي بطنجة الدورة التاسعة لجائزة عبد الله كنون للدراسات الإسلامية والأدب المغربي.وذلك في المحورين التاليين: الدراسات المهتمة بالقضايا الاسلامية المعاصرة والتي تعالج واقع المسلمين وتطرح حلولا لبعض المستجدات والمشاكل التيب تؤرق شبابنا وتشغل كافة شرائح مجتمعنا، الأدب المغربي على عهد الدولة العلوية: الدراسة والتحقيق، الأدب المغربي من خلال أعمال الأستاذ عبد الله كنون: التأليف - التحقيق - النقد - الإبداع. وتقبل الأعمال المرشحة في المجالين المذكورين وفق الشروط الآتية:
- الجدة والمستوى العلمي الرفيع مع التوثيق وضبط الاشعار والشواهد وذكر مصادر البحث ومراجعه
- الالتزام بالمحورين المحددين
- أن لا يكون الباحث قد سبق له المشاركة في الجائزة في الدورات السابقة، وأن لا يكون البحث قد سبقت المشاركة به في مسابقة أخرى
- أن لا يقل البحث عن خمسين صفحة
- أن يرقن على الحاسوب ويبعث إلى المؤسسة قبل نهاية شهر ماي 2012
السبت، 24 شتنبر 2011
الجمعة، 23 شتنبر 2011
مداخل ... حسن المددي
حسن المددي
مداخل
إمدادات هذا الكاتب حسن المددي 10 مايو 2006
-1-
قالت لي الأشجار ذات أمسية :
إذا حاولت اعتقال طيور الشعر
بعصمتها،
لا تبدد أحلام الجبال بما
ينز من دوامة الحُفَرِ
-2-
سلوا حبيبتي يوما
إذا مرقت
رذاذ ضياء
عن وجهي المنثور
كأحجية
على أرصفة العُصُر ِ
-3-
حين يعيرني الفجر عباءته
حتما سأصير يوما غلالته
وأدفن أردان الغوص
في شعلة العمُر
إذا تلوكني
شطحات الصحو
أشرعة ً
يناوشها غب الرحيل
غثيان الرغبة الملغاة
في الزمن
-4-
قالت لي الشمس
حين حملت لها
بروق دمي :
لاتبرح هذا الغصن ففي
أرومته
تتوغل كينونة السؤال
وصبوة الإصرار ..
-5-
وأدت في عتمة غبني
لوعة الحلم
فصار الوجه قناعا
يدبج لوثة أصقاعي
-6-
حين عادت حبيبتي اليوم
تسألني
قطرة ضوء
أدركت أن لايقن
تقلني سفائنه
وتجلت لي ندوب العقم
وامقة
نسغ الوشم
تسامق الكلمة الحبلى
بأصداف الحلم
-7-
حبيبتي قد غدت
أفقا
يمتد..يمتد ..
في المدى المسكون
بالألق .
-8-
سأذبح على ضريحها المنقوع
في تباريج الصفو المسجور
بقايا أغنية
ناخت يوما ..
على ضفاف أغنيتي
-9-
حبيبتي..
قد غدت
وطنا
بأكمله
تسافر في
شروق غدي
-10-
إسألوا طفولة هذي الشمس
إذا رنمت
أهداب ملحمتي
عن حبيبتي
ومحتدها
وصلوا في أرجاء عاصفتي
فهي حتما ..
حديقة عشق
-11-
حبيبتي ..
نجمة ..
تتشظى ..
حينما أدركت
شكل صورتها
في عنج الماء .
مداخل
إمدادات هذا الكاتب حسن المددي 10 مايو 2006
-1-
قالت لي الأشجار ذات أمسية :
إذا حاولت اعتقال طيور الشعر
بعصمتها،
لا تبدد أحلام الجبال بما
ينز من دوامة الحُفَرِ
-2-
سلوا حبيبتي يوما
إذا مرقت
رذاذ ضياء
عن وجهي المنثور
كأحجية
على أرصفة العُصُر ِ
-3-
حين يعيرني الفجر عباءته
حتما سأصير يوما غلالته
وأدفن أردان الغوص
في شعلة العمُر
إذا تلوكني
شطحات الصحو
أشرعة ً
يناوشها غب الرحيل
غثيان الرغبة الملغاة
في الزمن
-4-
قالت لي الشمس
حين حملت لها
بروق دمي :
لاتبرح هذا الغصن ففي
أرومته
تتوغل كينونة السؤال
وصبوة الإصرار ..
-5-
وأدت في عتمة غبني
لوعة الحلم
فصار الوجه قناعا
يدبج لوثة أصقاعي
-6-
حين عادت حبيبتي اليوم
تسألني
قطرة ضوء
أدركت أن لايقن
تقلني سفائنه
وتجلت لي ندوب العقم
وامقة
نسغ الوشم
تسامق الكلمة الحبلى
بأصداف الحلم
-7-
حبيبتي قد غدت
أفقا
يمتد..يمتد ..
في المدى المسكون
بالألق .
-8-
سأذبح على ضريحها المنقوع
في تباريج الصفو المسجور
بقايا أغنية
ناخت يوما ..
على ضفاف أغنيتي
-9-
حبيبتي..
قد غدت
وطنا
بأكمله
تسافر في
شروق غدي
-10-
إسألوا طفولة هذي الشمس
إذا رنمت
أهداب ملحمتي
عن حبيبتي
ومحتدها
وصلوا في أرجاء عاصفتي
فهي حتما ..
حديقة عشق
-11-
حبيبتي ..
نجمة ..
تتشظى ..
حينما أدركت
شكل صورتها
في عنج الماء .
الاثنين، 19 شتنبر 2011
أخي حميد: الربيع الدائم
أخي حميد: الربيع الدائم
عبدالرحيم مؤدن
تحية طيبة
كلما حل شهر شتنبر تذكرت جملتك الأثيرة: «شهر يركب جوادين في اتجاهين متعارضين».. ثم تضيف، باسما،وبصرك ينداح نحو الأفق البعيد: جواد يطير بك نحو الأعلى، والثاني نحو الأسفل.. جواد نحو الحياة، والآخر نحو الموت...آه ...» لو كان الموت رجلا لقتلته»!!!. وتبتسم، من جديد.
يعلن هذا الشهر عن بداية موسم الخريف.. والغريب أنه شهر مصاب بالخرف الأليف الذي يرفع فيه القلم عن شيخ يعود إلى صباه ? وهنا لا تتردد في الابتسام مرة أخرى- و تصدر عنه ? كما قال الطيب صالح- نغنغات الرضيع، وأنات الطاعن في الزمن... شهر يتنزل فيه شواظ اللهب، وقطرات السقيا التي تحمل أنفاس الأرض الأولى الأثيرة لديك..
أخي حميد
هذه البلاد، وأنت لاشك تذكر ذلك جيدا، روزمانة الفصول الثلاثة لاغير.. !!!.. لا غرابة إذا امتد الربيع المفتقد، هذا العام، إلى اليوم، فأصبح الخريف ربيعا، وكل الفصول ربيعا دائما. . . وأكيد أن أصداء الربيع العربي قد وصلتك، وانمحت الفواصل بين الفصول التي كانت فصلا واحدا يتكرر في كل العروض. الشتاء يأكلون فيه ما زرعناه، بجهد جهيد، ونزرع ليأكلون. . والصيف حصاد الوهم، والربيع لا يحضر إلا في الأناشيد البريئة.. ارتفعت الفصول الأربعة، عاليا، لتتصدر واجهات المقاهي والعلب الليلية والمحلبات البئيسة وبوتيكات أثرياء النعمة الجدد من منتخبين مزيفين، ومبيضي أموال قذرة ، ومقنعين بأقنعة زوجات مارسن أدوارا مضحكة، بل تدعو إلى الرثاء، بعد أن أصبحن خبيرات في التشكيل وجمعيات وهمية في «الديزاين» وتصدير القفاطين ملبوسة ، وغير ملبوسة ، نحو مراكز العولمة القديمة والجديدة.
«لولا» فيفالدي» لأصبنا بالجنون منذ أمد طويل». لازمتك الدائمة التي حملتني إلى زمن الستينيات البهي ، ونحن نتابع فقرة الصباح الموسيقية يإذاعة الرباط- القسم الفرنسي- وصوت «ماري فرانس» الوقور يتوقف، بين الفينة والأخرى، عند مفاتيح المعزوفة التي تضعك في الفصول الأربعة دفعة واحدة.
خريف هذا العام لم يكن إلا ربيعا بدأت تباشيره منذ أوائل هذا العام. وأصبحت « تونس» خضراء دون كذب أو بهتان، وأمنا»مصر» يتسع- كما عهدناها دائما- صدرها للجميع. . واليمن استرجع سعادته المهربة طوال عقود وعقود، كما حملت ، يوما ما، ألواحه الطينية، التي خاطبت الإنسان والطير والشجر والحجر..لكن... غوطة دمشق ما زالت مجللة بالسواد، بعد أن جّرفتها دبابات الحقد، ولم تعد إلا ذكرى من أكاذيب كتاب مدرسي ملون لا تكف فيه الطيور عن الزقزقة، والمياه عن الرقرقة، والفواكه معروضة على قارعة الطريق، ويكفي أن يمد المواطن يده من نافذته ليلتقط فواكه كل الفصول من الخليج إلى المحيط، ومن المحيط إلى الخليج.. ولم يذكر هذا الكتاب أن الغوطة محرمة على الأطفال، إلى أن دخلها طفل اسمه «حمزة»، وأراد قضاء حاجته، فوجد الدبابات له بالمرصاد. . دبابات بقضها وقضيضها لمنع التبول. وهذا ما أراد رسمه «علي فرزات» بحسن نية، لكنه اكتشف أخيرا، أنه افتقد أصابعه منذ أن اجتاحت الحديقة الغوطة. . . أتذكر الآن تخطيطاتك السوداء - في الستينيات - عن مباراة كروية لفريق جيش عربي، يواجه فريقا آخر، مصمما على الانتصار بكل السبل، وهو يتقدم بالمدافع والدبابات والمدرعات. نسيت أن أذكرك بأن «علي فرزات» يشبه رسامك الأثير» عبد السميع»، خلال المرحلة الناصرية، ويشبه ، أيضا، « ناجي العلي» بطفله حنظلة، أو حمزة.. لافرق.. فالربيع عند مجيئه لايفرق بين زهوره، وهو يطرق كل الأبواب، كل الأبواب.
إلى اللقاء...
عبدالرحيم مؤدن
تحية طيبة
كلما حل شهر شتنبر تذكرت جملتك الأثيرة: «شهر يركب جوادين في اتجاهين متعارضين».. ثم تضيف، باسما،وبصرك ينداح نحو الأفق البعيد: جواد يطير بك نحو الأعلى، والثاني نحو الأسفل.. جواد نحو الحياة، والآخر نحو الموت...آه ...» لو كان الموت رجلا لقتلته»!!!. وتبتسم، من جديد.
يعلن هذا الشهر عن بداية موسم الخريف.. والغريب أنه شهر مصاب بالخرف الأليف الذي يرفع فيه القلم عن شيخ يعود إلى صباه ? وهنا لا تتردد في الابتسام مرة أخرى- و تصدر عنه ? كما قال الطيب صالح- نغنغات الرضيع، وأنات الطاعن في الزمن... شهر يتنزل فيه شواظ اللهب، وقطرات السقيا التي تحمل أنفاس الأرض الأولى الأثيرة لديك..
أخي حميد
هذه البلاد، وأنت لاشك تذكر ذلك جيدا، روزمانة الفصول الثلاثة لاغير.. !!!.. لا غرابة إذا امتد الربيع المفتقد، هذا العام، إلى اليوم، فأصبح الخريف ربيعا، وكل الفصول ربيعا دائما. . . وأكيد أن أصداء الربيع العربي قد وصلتك، وانمحت الفواصل بين الفصول التي كانت فصلا واحدا يتكرر في كل العروض. الشتاء يأكلون فيه ما زرعناه، بجهد جهيد، ونزرع ليأكلون. . والصيف حصاد الوهم، والربيع لا يحضر إلا في الأناشيد البريئة.. ارتفعت الفصول الأربعة، عاليا، لتتصدر واجهات المقاهي والعلب الليلية والمحلبات البئيسة وبوتيكات أثرياء النعمة الجدد من منتخبين مزيفين، ومبيضي أموال قذرة ، ومقنعين بأقنعة زوجات مارسن أدوارا مضحكة، بل تدعو إلى الرثاء، بعد أن أصبحن خبيرات في التشكيل وجمعيات وهمية في «الديزاين» وتصدير القفاطين ملبوسة ، وغير ملبوسة ، نحو مراكز العولمة القديمة والجديدة.
«لولا» فيفالدي» لأصبنا بالجنون منذ أمد طويل». لازمتك الدائمة التي حملتني إلى زمن الستينيات البهي ، ونحن نتابع فقرة الصباح الموسيقية يإذاعة الرباط- القسم الفرنسي- وصوت «ماري فرانس» الوقور يتوقف، بين الفينة والأخرى، عند مفاتيح المعزوفة التي تضعك في الفصول الأربعة دفعة واحدة.
خريف هذا العام لم يكن إلا ربيعا بدأت تباشيره منذ أوائل هذا العام. وأصبحت « تونس» خضراء دون كذب أو بهتان، وأمنا»مصر» يتسع- كما عهدناها دائما- صدرها للجميع. . واليمن استرجع سعادته المهربة طوال عقود وعقود، كما حملت ، يوما ما، ألواحه الطينية، التي خاطبت الإنسان والطير والشجر والحجر..لكن... غوطة دمشق ما زالت مجللة بالسواد، بعد أن جّرفتها دبابات الحقد، ولم تعد إلا ذكرى من أكاذيب كتاب مدرسي ملون لا تكف فيه الطيور عن الزقزقة، والمياه عن الرقرقة، والفواكه معروضة على قارعة الطريق، ويكفي أن يمد المواطن يده من نافذته ليلتقط فواكه كل الفصول من الخليج إلى المحيط، ومن المحيط إلى الخليج.. ولم يذكر هذا الكتاب أن الغوطة محرمة على الأطفال، إلى أن دخلها طفل اسمه «حمزة»، وأراد قضاء حاجته، فوجد الدبابات له بالمرصاد. . دبابات بقضها وقضيضها لمنع التبول. وهذا ما أراد رسمه «علي فرزات» بحسن نية، لكنه اكتشف أخيرا، أنه افتقد أصابعه منذ أن اجتاحت الحديقة الغوطة. . . أتذكر الآن تخطيطاتك السوداء - في الستينيات - عن مباراة كروية لفريق جيش عربي، يواجه فريقا آخر، مصمما على الانتصار بكل السبل، وهو يتقدم بالمدافع والدبابات والمدرعات. نسيت أن أذكرك بأن «علي فرزات» يشبه رسامك الأثير» عبد السميع»، خلال المرحلة الناصرية، ويشبه ، أيضا، « ناجي العلي» بطفله حنظلة، أو حمزة.. لافرق.. فالربيع عند مجيئه لايفرق بين زهوره، وهو يطرق كل الأبواب، كل الأبواب.
إلى اللقاء...
البيت في القصيدة الحرة
البيت في القصيدة الحرة
محمد علي الرباوي
إن البيت لا تخطئه الأذن كيفما كان شكله. لكن الشاعر المعاصر المتأثر ببعض نماذج الشعر العربي المنجز في عصر الدول المتعاقبة، صار يخاطب أيضا حاسة البصر؛ فلهذا صار الشاعر يوزع بيته على سطر واحد إذا كان قصيرا، أو على عدة أسطر إذا كان طويلا. وقد يغطي في بعض الحالات كلَّ النص. وفي هذه الحالة قد يوزع البيت على أسطر، إما متساوية، وإما غير متساوية. وقد يُكتب النص بأسطر متصلة، فينخدع القارئ، إذ يظن أنه أمام نص نثري. وقد تكتب مجموعة من الأبيات في سطر واحد(1). لكن هل توزيع البيت على أسطر يتم اعتباطا، أو أن ثمة غاية؟ والحق أننا، بعد استقراء المتن المدروس، تأكد لنا أن هذا التوزيع مرتبط بغاية جمالية بالأساس. فلنقرأ النماذج التالية للتمثيل:
يقول عبدالمعطي حجازي:
أَعْبُرُ أَرْضَ الشَّارِعِ الْمَزْحُومِ لاَ تُوقفنِي الْعَلاَمَهْ
أُثِيرُ حَيْثُمَا ذَهَبْتُ الْحُبَّ وَالْبُغْضَ
وَأَكْرَهُ السَّآمَهْ(2)
وتقول نازك الملائكة:
»أَلَسْتَ تَرَى«
»خُذْهُمَا !«
ثُمَّ سَادَ السُّكُونُ الْعَمِيقْ
وَلَمْ يَبْقَ مِنْ شَبَحٍ فِي الطَّرِيقْ(3)
ويقول حجازي:
ثُمَّ بَكَتْ.. وَابْتَسَمَتْ
وَكَانَ نُورُ الْقَمَرِ الْغَارِبِ يَمْلأُ الزُّجَاجْ(4)
ويقول صلاح عبد الصبور:
وَالشَّمْعَةُ الْوَحِيدَةُ الَّتِي وَجَدْتُهَا بِجَيْبِ مِعْطَفِي
أَشْعَلْتُهَا لَكُمْ...
لَكِنَّهَا قَدِيمَةٌ مَعْرُوفَةٌ لَهِيبُهَا دُمُوعْ(5)
ويقول الخمار الكنوني:
دَمْعاً (هَلْ كَانَ شِتَاءُ الْعَامِ دَفِيئاً؟
أَوْ كَانَ النَّبْتُ الطَّالِعُ فِي الأَجْدَاثِ أَلِيما(6)
ويقول الأمراني:
لَكِنَّ لِي فِي كُلِّ عَامٍ رِحْلَةً وَتَشَرُّداً
وَكَأَنَّنِي جَوَّابُ أَوْدِيَةٍ وَآفَاقٍ
وَلِي فِي كُلِّ عَامٍ غُرْبَةٌ
مُتَأَبِّطاً سَيْفِي(7)
هذه النماذج، يمكن أن تتخذ تشكيلا آخر. فلماذا فتت أبياتها على أكثر من سطر رغم أن بعض النقاد يرفضون هذا التفتيت. تقول نازك: »الأصل في الشعر أن يكتب بحسب وزنه وتفعيلاته. فيقف الكاتب عند نهاية الشطر العروضي. وهذا القانون يسري على الشعر في العالم كله(8)، فحيثما وُجد الشعر كان وزنه هو الذي يتحكم في كتابته. إننا لا نقف بحسب مقتضيات المعاني، وإنما نقف حيث يبيح لنا العروض«(9). ومجمل هذا الكلام صحيح. لكن المسرح الشعري لم يلتزم بهذا القانون، والشاعرة نفسها لم تلتزم به؛ فجل أشعارها المكتوبة على الخفيف، وزعتها توزيعا حرا، ولم تقتصر على الخفيف. فالنموذج الثاني يؤكد أنها لم تلتزم به حتى في شعر التفعيلة. ومع ذلك، فملاحظتها تبقى، إلى حد ما، صحيحة. إن البيت، كيفما كان الشكل الذي يتخذه على الورق، يبقى بيتا مسموعا. والمسموع يتحكم العروض في تشكيله في السمع. على كل، إن هذه النماذج اتخذت ما اتخذته من شكل للأسباب التالية:
يتألف النموذج الأول من بيتين بقافية موحدة. للبيت الأول ضرب مخبون مقطوع. وللبيت الثاني ضرب مرفل. ولجعله مخبونا مقطوعا كالبيت الأول، فضل الشاعر توزيعه على سطرين، كلاهما من إيقاع الرجز. السطر الأول ينتهي بـ «فعْلن» بإشباع حرف الضاد. والسطر الثاني ينتهي بضرب على وزن «فعولن»، وهي صورة ضرب البيت الأول. من هنا، نقول: إن تفتيت البيت خدم وحدة الضرب لتحقيق انسجام إيقاعي.
النموذج الثاني عبارة عن بيتين. وزعت نازك البيت الأول على ثلاثة أسطر. لماذا؟ إن النص الذي منه هذا النموذج من شعر التفعيلة، مبني بناء دراميا، وأكثره يقوم على أسلوب القص. والسطران الأولان من النموذج يمثلان كلام الحارس. أما السطر الثالث، فمن كلام الراوية؛ أي الشاعرة. ففي كلام الحارس، أسلوبان: أسلوب استنكاري، وأسلوب الأمر. ولهذا، فصلت الشاعرة بين الأسلوبين، حيث يمثل السطر الأول الأسلوب الأول، والسطر الثاني الأسلوب الثاني.
النموذج الثالث يمثل بيتا واحدا ينتهي بروي الجيم. لكن الشاعر وزعه على سطرين. والسطر الأول، كان بالإمكان أن يوزع أيضا على سطرين، فيصبح النموذج:
ثُمَّ بَكَتْ..
وَابْتَسَمَتْ
وَكَانَ نُورُ الْقَمَرِ الْغَارِبِ يَمْلأُ الزُّجَاجْ
وهذا التشكيل لا يؤثر في العروض، ولكنه يجعل النموذج ثلاثة أبيات. البيتان الأولان روي واحد، ولروي البيت الثالث صدى في النص الذي اقتبسنا منه هذا النموذج. ولكن نغمة التفاؤل الغالبة على هذا النموذج الشعري أوحت إلى الشاعر بإخفاء القافية، وجعل السطرين سطرا واحدا حتى تصبح «بكيت» حشوا، و»ابتسمت» ضربا. وبهذا، تبقى نغمة التفاؤل بارزة. وقد عزز بروزَها السطرُ الموالي.
النموذج الرابع يتألف من ثلاثة أسطر، يمكن اعبتارها بيتا واحدا ينتهي بروي العين. لكن الملاحظ، خاصة في السطر الثاني، أن الشاعر قد أنهاه بثلاث نقط باعتبارها علامة على ما للضرب من حذف، وهذه العلامة تفرض وقفة عندها. فلو ربط الشاعر هذا السطر بما يليه، فإن علة ستظهر حشو البيت على الشكل التالي:
- أَشْعَلْتُهَا| لَكُمْ..| لَـكِنَّهَا| قَدِيمَةٌ| مَعْرُوفَةٌ| لَهِيبُهَا | دُمُوعْ|
= مستفعلن|متف|مستفعلن |متفعلن|مستفعلن | متفعلن |فعول|
فالجزء الثاني من هذا البيت، به علة النقص. والعلة لا تلحق الأجزاء إلا في العروض أو الضرب. والشاعر يدرك هذا، ولكي يتخلص من هذا «العيب» فَضَّل توزيع البيت على الشكل الذي يجعل «مُتَفْ»/ «لَكُمْ» تبدو وكأنها ضرب البيت.
النموذج الخامس يقدم سطرين يمكن اعتبارهما بيتا واحدا على الخبب. والجمع بينهما في بيت واحد يؤدي إلى ظهور علة غريبة في البحر.
إن اعتبار كل سطر بيتا واحدا يجعل النص يقوم على «فعِلن» أو «فعْلن». أما جعلهما في بيت واحد متصل، فإن «فاعلُ» ستدخل حشوه. فلعل الشاعر لا يرتاح لهذه العلة، رغم أنها صارت مألوفة في شعر التفعيلة كما سنرى في الفصل الموالي. ولهذا، فضل التخلص منها بتوزيع بيته على سطرين.
النموذج السادس يتكون من أربعة أسطر. وكان بالإمكان أن يكتب كما يكتب النثر. أي أن يجمع بينها في أسطر متصلة. صحيح، ليس ثمة فرق بين الكتابتين على مستوى المعنى، ولا على مستوى العروض. لكن الفرق يتجلى فيما يأتي:
من المعروف أن للقافية دورا أساسيا في القصيدة العربية. ذلك، لأنها تطلق مجازا على القصيدة. ولأهميتها، تسمى القصيدة باسم روي قافيتها؛ كأن نقول مثلا: لامية امرئ القيس، أو ميمية عنترة (...) وتعود أهميتها إلى ارتباطها بالضرب، إذ هو - مع العروضة- مفتاح القصيدة.. والشاعر حسن الأمراني، بموهبته، يدرك أهمية القافية، وأهمية الضرب؛ لهذا أراد أن يوهمنا بأن الكلمات التالية: «تشردا»، «آفاق»، و»غربة» هي قواف يتحتم، ونحن نقرأ النص، أن نتوقف عندها. والتوقف عند الكلمة أثناء القراءة أو الإنشاد يعطيها أهمية يبرزها للمستمع. وبهذا الإيهام، جعلنا الشاعر ندرك حجم مأساة هذا الشعب المشرد، الذي يجوب الآفاق عله يجد ملجأ يأويه(10).
إذن فتوزيع البيت على عدة أسطر ليس عملا اعتباطيا، كما وضحنا من خلال تحليلنا للنماذج السابقة. لكن يحدث أن ينشر الشاعر نصا، فيوزعه توزيعا معينا. وحين يعيد نشره، يعيد توزيعه توزيعا جديدا مخالفا للتوزيع الأول. وهذا شيء طبيعي كالإنشاد الذي تتغير نغماته تبعا للحالة النفسية والثقافية والاجتماعية التي يكون عليها المنشد.
ولكن، بعد كل هذا، نجد بعض الدارسين يعالجون موضوع البيت في القصيدة الحرة معالجة معيارية لا تثبت أمام النقد، لأنهم لا يدركون، أو لا يريدون أن يدركوا أن البيت قد يتخذ أكثر من تشكيل إذا تعددت طبعاته.
لقد درس محمد بنيس البيت في المتن الشعري المعاصر بالمغرب، ونقلا عن جون كوهن، أعطى البيتَ ثلاثةَ قوانين مرتبطة بالوقفة؛ وهي:
- الوقفة الدلالية والنظمية والعروضية،
- الوقفة العروضية فقط،
- الوقفة المحدودة ببياض.
وهذه المصطلحات، كما لاحظ بحق الأستاذ أحمد المجاطي(11)، مستعارة من عروض الشعر الفرنسي ولها ما يقابلها في تراثنا النقدي والعروضي، فالقانون الأول يقابله البيت القائم بذاته، وهو ما يفضله النقد العربي القديم. القانون الثاني يقابله التضمين أو التدوير النحوي أو التركيبي كما سماه المجاطي. والقانون الثالث هو التدوير العروضي(12).
والحق أن القانون الثالث لا محل له من الإعراب، لأنه لا يصدق على البيت، كما وصفناه في هذا البحث، وإنما يصدق على ما سماه حركات بالبيت الخطي، أو السطر الشعري كما يريد عزالدين إسماعيل. وهذا يدل على أن الباحث لا يميز بين البيت والسطر. والغريب أنه بنى على هذه القوانين الثلاثة نتائج ! فالقانون الأول ?وهو قانون صحيح- فيه مصالحة مع المفهوم السائد، أي: مصالحة مع القديم التقليدي(13)، ويأتي في درجة جمالية أفضل القانونُ الثاني ?وهو قانون له وجود فعلي- إذ يعتبره الباحث «أرقى» وأكثرَ تخلصا من النفس التقليدي السائد(14). أما القانون الثالث ?وليس له في الواقع وجود- فهو الأهم، لأنه «في نظره» أكثر هذه البنيات الجزئية الثلاث تقدما وارتباطا بمحاورة النص الشعري التقليدي(15). ويرتبط بهذا حديثه عن التفعيلة الأخيرة في البيت، إذ جعل لها قانونين: التفعيلة التامة والتفعيلة الناقصة. فالقانون الأول مرتبط بالقانونين الأول والثاني للبيت(16). ويقصد بالتامة أن تكون جميع تفاعيل البيت، وخاصة الأخيرة منها بغير حاجة إلى جزء آخر لتتميم الإيقاع الناقص في آخر البيت(17). أما القانون الثاني، فيرتبط عضويا بالقانون الثالث من قوانين البيت الشعري(18) وهذا القانون، في نظره، «أصعب» ! من قانون التفعيلة الأول، لأن الشاعر يحاور التراث من زاوية أكثر تقدما ! (19) .مع العلم أن هذا القانون لا وجود له في الشعر العربي، لأن البيت الذي ينتهي بهذه التفعيلة لا يكون بيتا إذا كان إتمام النقص يتم بربط السطر بالسطر الموالي كما مر بنا.
الغريب في كل ما طرحه الأستاذ بنيس هو هذه النغمة المعيارية: فالقوانين الشعرية ليست على مستوى واحد، فيها ما هو سهل، وفيها ما هو صعب ! فيها ما هو تقليدي، وفيها ما هو تعبير عن روح الحداثة. وينسى الباحث أن الشاعر يوزع أبياته توزيعا جديدا كلما أعاد نشرها، وينتِج عن هذا أن قانونا قد يكون حاضرا في توزيع ما سرعان ما يختفي ليحل محله قانون آخر. فكيف نحكم على النص؟
لقد مثل الباحث للقانون الأول من قانون البيت بهذا النموذج للشاعر أحمد المجاطي:
أَسْكُنُ فِي قَرَارَةِ الْكَأْسِ، أُحِيلُ شَبَحِي مَرَايَا
أَرْقُصُ فِي مَمْلَكَةِ الْعَرَايَا
أَعْشَقُ كُلَّ هَاجِسٍ غُفْلٍ وَكُلَّ نَزْوَةٍ أَمِيرَهْ
أُبْحِرُ فِي الْهُنَيْهَةِ الْفَقِيرهْ
أُصَالِحُ الْكَائِنَ وَالْمُمْكِنَ وَالْمُحَالْ
أَخْرُجُ مِنْ دَائِرَةِ الرَّفْضِ وَمِنْ دَائِرَةِ السُّؤَالْ
أُرَاقِبُ الأَمْطَارْ
تَجِفُّ فِي الطَّوِيَّةِ الإِمَارَهْ
تُسْعِفُنِي الْكَأْسُ وَلاَ تُسْعِفُنِي الْعِبَارَهْ(20)
لكن المجاطي، حين نشر ديوانه، كتب هذا المقطع على الشكل التالي:
أَسْكُنُ فِي قَرَارَةِ الْكَأْسِ
أُحِيلُ شَبَحِي
مَرَايَا
أَرْقُصُ فِي مَمْلَكَةِ الْعَرَايَا
أَعْشَقُ كُلَّ هَاجِسٍ غُفْلٍ
وَكُلَّ نَزْوَةٍ
أَمِيرَهْ
أُبْحِرُ فِي الْهُنَيْهَةِ الْفَقِيرَهْ
أُصَالِحُ الْكَائِنَ
وَالْمُمْكِنَ
وَالْمُحَالْ
أَخْرُجُ مِنْ دَائِرَةِ
الرَّفْضِ
وَمِنْ دَائِرَةِ السُّؤَالْ
أُرَاقِبُ الأَمْطَارْ
تَجِفُّ فِي الطَّوِيَّةِ
الإِمَارَهْ(21)
إذن، فأبيات هذا النص، في دراسة بنيس، خاضعة للقانون الأول. لكن أكثرها في الديوان خاضع للقانون الثالث «المتطور» و»الأرقى». والحق ?وهذا ما لم يدركه الباحث- أن البيت في الديوان هو البيت نفسه في الدراسة، إلا أن تشكيله وقع فيه تغيير لمقتضيات فنية جديدة عاشها الشاعر، وهو يقدم عمله للطبع.
إن ما وقع فيه الباحث من وهم راجع ?بكل بساطة- إلى فهمه الخاطئ للبيت. ثم لماذا نفضل قانونا على آخر؟ إن الشاعر، حين يكون أمام تجربة ذات طابع غنائي وجداني، لا يجد أمامه إلا القانون الأول من قوانين البيت لأنه الأصلح. وحين يجد نفسه أمام تجربة درامية أو أمام عمل يتطلب القص، فإن القانون الثاني هو الأنسب. وقد مر بنا أن صاحب العمدة قد أشار إلى شيء من هذا عند حديثه عن البيت المدمج.
البيت في الأرجوزة، إما أنه مؤلف من جزء واحد، أو من جزأَين، أو من ثلاثة أجزاء. وهذا أقصى ما يصل إليه البيت في الأرجوزة. أما في القصيدة، فالبيت التام يتألف من ستة أجزاء، والمجزوء من أربعة أجزاء. لكن، إذا كان البيت على أحد بحري الدائرة الخامسة، فإنه يتألف من ثمانية أجزاء إذا كان تاما، ومن ستة إجزاء إذا كان مجزوءا، ويلحق بهذه الدائرة الطويل والبسيط. أما البيت في الموشح، فيكون إما موحدا، أو مثنى، أو مشطورا، أو مجزوءا.
وفي القصيدة الحرة، حاولت نازك ربط البيت من حيث عددُ أجزائه بالبيت في تراثنا الشعري فهي تريد أن يكون البيت في هذا الشكل الجديد إما موحدا، أو منهوكا، أو مجزوءا، أو مشطورَ المجزوءِ، أو مشطورَ التام. وهذا ما يفسر رفضها البيت المكون من خمسة أجزاء. تقول: »إن الشعر العربي في مختلف عصوره لم يعرف الشطر ذا التفعيلات الخمس. وإنما كان الشطر يتألف إما من تفعيلتين كما في الهزج، والمجتث، والمضارع، أو من ثلاث كما في الرجز، والرمل، والكامل، أو من أربع، كما في الطويل، والبسيط، والمتقارب، والخبب. وعند هذا، وقف الشاعر. فلم نقرأ له أشطرا ذات خمس تفعيلات إطلاقا(22). وهذا يعني أن الشطر في شعر التفعيلة لا يحتمل خمسة أجزاء، مع العلم أن الشاعرة، على مستوى الإنجاز، كتبت أبياتا خماسية الأجزاء.
وسبب رفضها البيتَ الخماسي [وينتِج عن هذا رفضها البيت السباعي والتساعي] هو ما تتمتع به من ذوق مستمد من حبها القصيدةَ العربية، التي سن قوانينها الشاعر الجاهلي، وهي قوانين أملاها ارتباط الشعر بالغناء، لأن الغناء يفضل الأبيات القصيرة. أما اليوم، حيث إن الشعر، وخاصة القصيدة الحرة ما عاد يغري أهل الغناء لاهتمامه بالقارئ، فلا بأس أن يطول هذا البيت. وتقول نازك مرة أخرى: »هل يستسيغ سمع الشاعر أن يورد أكثر من ست تفعيلات أو ثمان في الشطر الواحد. الجواب على هذا قد ثبت لي بالتجربة الطويلة، وقراءة مئات من قصائد الشعراء أن ذلك غير سائغ ولا مقبول، لأن الغنائية في تفعيلات الشعر تفقد حدتها، وتأثيرها حين تتراكم تفعيلات متواصلة لا وقفة عروضية بينها. فضلا عن أن تواتر التفعيلات الكثيرة مستحيل لأنه يتعارض مع التنفس عند الإلقاء، لا بل يتعب حتى من يقرأه قراءة صامتة بما يحدث من الرتابة«(23).
من حق نازك أن تقول ما قالته، ومن حق الشاعر أن يعطي إحساسَه حقَّ اختيار المدى الزمني المناسب للبيت. لهذا، نقول إن واقع البيت في القصيدة الحرة، إما أن يكون من جزء واحد، أو من أكثر، حيث قد يغطي نصا شعريا كاملا. وفي هذه الحالة، تصعب قراءته في نفس واحد. وهذا لم يغب عن الشاعر؛ فالتجأ، كالشاعر القديم، إلى التقسيم، وهو أنواع مر بنا وصفها. لهذا، سنقتصر في هذا المقام على الوقوف على أحد أشكاله، وهو الترصيع الذي يكون في القصيدة الحرة إما داخليا، وإما خارجيا:
1-وَرُبَّمَا تَجَسَّدَتْ قَرْطَاجَةٌ
دَقَائِقُ الْغُبَارِ فِيهَا لَهَبٌ
والطِفْلُ فِيهَا حَطَبٌ ذَبِيحَةُ الْمَصِيرِ(24)
2-لاَ تَسْخرِي مِنْ منْظَرِي أَيَّتُهَا الْهِرَّة(25)
3-مِنْ سَهَرٍ أَهْدَابُنَا مَبْلُولَةٌ
مِنْ سَهَرٍ أَنْغَامُنَا مَقْتُولَةٌ
وَالسَّهَرُ الْوَسْنَانُ فِي عُيُونِنَا فَتَرْ
وَانْهَمَرَ الْمَطَرْ(26)
4-وَانْكَسَرَتْ مِنْ حَوْلِنَا الرُّبَى
وَانْتَثَرَتْ أَقْمَارُنَا
أَعْمَارُنَا
أَشْعَارُنَا
وَاللَّوْنُ فِي خُدُودِنَا خَبَا(27)
5-وَسَاكِنِيهَا مِنْ أَغَانِيهَا وَمِنْ شَكَاتِهَا
نُحِسُّ كَيْفَ يَسْحَقُ الزَّمَانُ إِذْ يَدُور(28)
6-بَلَى !
وَقَدْ لَجَّتْ بِنَا النَّشْوَةُ حَتَّى رُؤْيَةِ الْمَوْتِ
وَقَدْ لَجَّتْ بِنَا حَتَّى ازْدِرَاءِ الْمَوْتِ
هَا أَنْتِ انْتَشَيْتِ
وَتَخَضَّبْتِ بِأَسْمَاءِ الْمَطَرْ
ثُمَّ خَرَجْتِ لِلتَّتَرْ(29)
7-أَتُوهُ فِي الصَّحَارَى
حَتَّى أَرَى يَنْبُوعا
أُصْبِحُ فِيهِ قَطْرَةً
أَوْ بُرْعُماً مَقْطُوعَا
أَعْبُرُ فِيهِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَا
وَالصَّيْفَ وَالرَّبِيعَا
أَدْخُلُ فِيهِ دَارَا
أَخْرُجُ مِنْ نَافُورَةٍ فِي صَحْنِهَا
تَأْخُذُنِي صَبِيَّةٌ فِي حِضْنِهَا
تَمْسَحُ عَنِّي الْعَارَا(30)
8-مَا الَّذِي قَالَتِ الْبِئْرُ لِلرِّيحِ
وَالنَّارُ لِلشِّيحِ
وَالنَّاقَةُ الْمُسْتَحِمَّةُ فِي قَعْرِ الْغَوْرِ لِلسِّنْدِيَان(31)
9-فِي سَنَوَاتِ الْعُقْمِ وَالْمَجَاعَهْ
بَارَكَنِي
عَانَقَنِي
كَلَّمَنِي
وَمَدَّ لِي ذِرَاعَهْ
وَقَالَ لِي:
اَلْفُقَرَاءُ أَلْبَسُوكَ تَاجَهُمْ
وَقَاطِعُو الطَّرِيقْ
وَالْبُرْصُ وَالْعُمْيَانُ وَالرَّقِيقْ(32)
بهذه النماذج، ترصيع داخلي، وترصيع خارجي. وفي الوقت ذاته، تثير بعضُ هذه النماذج، خاصة تلك التي تشتمل على الترصيع الخارجي، مشكلةَ تحديد البيت، وهذه مناسبة لمعالجته في هذا المقام.
إن الترصيع هنا يقوم على وجود القافية.
فالنموذج الأول يتألف من بيت موزع على ثلاثة أسطر، مجموع أجزائها عشرة. وهذا عدد كبير. لكن الشاعر أحدث محطتين للاستراحة: الأولى عند كلمة «لهب»، وهي آخر السطر. والثانية عند كلمة «حطب»، وهي في حشو البيت. وهذا ترصيع داخلي، أو نصف داخلي. كان بإمكان الشاعر أن يكتب نصه على الشكل التالي:
وَرُبَّمَا تَجَسَّدَتْ قَرْطَاجَةٌ دَقَائِقُ الْغُبَارِ فِيهَا لَهَبٌ
وَالطِّفْلُ فِيهَا حَطَبٌ
ذَبِيحَةُ الْمَصِير
لكنه، لو اختار هذا التشكيل، فإنه سيكون من المفروض اعتبار السطر الأول والثاني بيتين بروي الباء. وفي هذه الحالة، سنكون أمام ضربين تامين مختلفين عن ضرب البيت الثالث وأضرب باقي النص، حيث التزم فيها الشاعر القطع مع الخبن. فلهذا، أخفى الترصيع، وهذا الإخفاء يجعلنا نقرأ/ لَهَبٌ/ و/ حَطَبٌ/ بالتنوين، وهذه القراءة أجمل من قراءة إشباع حركة الباء، لما يحدثه التنوين من رنين جميل.
النموذج الثاني هو عبارة عن بيت قصير مؤلف من أربعة أجزاء، وموزع على سطر واحد، يشتمل على ترصيع داخلي، وكان بإمكان الشاعر أن يجعل كل قسيم بيتا، لكن هذا سيؤدي إلى وجود ضربين متساويين يقابلان ضربا منتهيا بتفعيلة ناقصة؛ لهذا، آثر الشاعر الترصيع الداخلي.
النموذج الثالث هو عبارة عن بيتين موزعين على أربعة أسطر. يشتمل البيت الأول على عشرة أجزاء، وهذا الطول جعل الشاعرة ترصعه ترصيعا خارجيا. ويوحي القسيمان الأولان بأنهما بيتان مستقلان. وكان بالإمكان اعتبارهما كذلك. ولكن الشاعرة من أكثر الشعراء العرب حرصا على التزام وحدة الضرب؛ وهو هنا [فَعُو]. فإذا اعتبرنا القسيمين بيتين، صرنا أمام ضرب جديد يُحدث بالنسبة لنازك، ولأذنها نشازا. ولهذا، وضعت التنوين آخر كل سجعة حتى لا نقف عليها بالسكون، وهو أمر جائز.
النموذج الرابع: البيت الثاني فيه موزع على أربعة أسطر. وهو مشتمل على ترصيع خارجي: /أقمارنا/ أعمارنا/ أشعارنا/. وكل قسيم يمكن اعتباره بيتا. إذ تصبح هذه الأقسمة موحدة الروي. لكن، مرة أخرى، سنكون أمام ضرب مخالف لأضرب النص الشعري الذي اقتبسنا منه هذا النموذج.
النموذج الخامس: هو بيت من ثمانية أجزاء موزع على سطرين، ويشتمل على ترصيع داخلي لكنه، هنا، يكسر العروض. وهذا يخالف الترصيع الذي مر بنا في النماذج السابقة.
وَسَاكِنِيهَا = مفاعلاتن
مِنْ أَغَانِيهَا = فاعلالاتن
ولعل هذا ما جعل الشاعر يفضل جعله ترصيعا داخليا.
النموذج السادس: بيتان موزعان على ستة أسطر. البيت الأول من اثني عشر جزءا. وهذا الطول فرض على الشاعر استعمال الترصيع الخارجي، وهو ترصيع غير عروضي، لكنه أحدث نغما جديدا. فالنص من الرجز، ليس في أضربه علة. لكن الأقسمة الثلاثة جاءت على إيقاع مخالف. فالقسيم الأول على الهزج، والثاني على الهزج المخروم، والثالث هزج أو وزن من أوزان الوافر المخروم.
النموذج السابع: يتألف من سبعة أبيات على النظام القافوي التالي: أ ب ب أ ب أ أ. ولهذه الأبيات ضرب موحد مصاب بعلة القطع، واعتبرنا البيت الأخير مرصعا ترصيعا خارجيا، لأن كل قسيم منه ينتهي بضرب صحيح. وهذا مخالف لنسق أضرب هذه القصيدة الحرة.
النموذج الثامن: هو عبارة عن بيت واحد موزع على ثلاثة أسطر. ويشتمل على اثني عشر جزءا. هذا الطول فرض أن يكون هذا البيت مرصعا ترصيعا خارجيا يوحي كل قسيم فيه بأنه بيت مستقل. فالقسيم الأول ينتهي بـ «فعْلن». والقسيم الثاني يصبح من المتقارب المخروم المنتهي بتفعيلة مبتورة، والثالث من المتقارب المخروم. وبهذا تتعدد أضرب النص الذي حافظ فيه الشاعر على وحدة البحر ووحدة الضرب. وهذا يفرض علينا اعتبار القسيمين جزءا من البيت.
النموذج الأخير: يشتمل على أربعة أبيات موزعة على تسعة أسطر، ونظامها القافوي على الشكل التالي: أ أ ب ب. لكن البيت الثاني اشتمل على خمسة أجزاء، وعلى ترصيع خارجي، وكل أقسمته موحدة الروي، وعدُّها أبياتا يجعل أضربها تخالف أضرب القصيدة.
وبهذا يكون الترصيع عنصرا نغميا يثري إيقاع البيت الشعري حين يطول. لكن هناك تقسيمات لا تظهر فيها القافية أو السجع، تلحق كذلك الأبيات الطويلة، نمثل لها بالنموذجين التاليين: الخطوط المائلة من وضعنا.
- (...) فَلَعَلَّ قَصِيدَةَ هَجْوٍٍٍ/ تَقْذِفُ إِسْرَائِيلَ إِلَى الْبَحْرِ../ لَعَلَّ الشِّيخَاتِ الْمُتَّشِحَاتِ بِمَا لَذَّ وَطَابَ مِنَ الذَّهَبِ اللاَّمِعِ/ يَهْدِمْنَ بِرَقْصَتِهِنَّ عَلَى الْجَفْنَةِِ مَبْنَى الْكْنِسِيتْ/ وَأَقُولُ لَكُمْ/ غَنَّيْتُ/ وَأَعْرِفُ أَنَّ هَزَائِمَنَا/ تَبْدَأُ مِنْ كُلِّ زُقَاقٍ فِي الْوَطَنِِ الْعَرَبِي/ وَهَذَا جَسَدِي (...)(33).
- جَاءَ هَذَا الدَّغَلُ الْمَوْبُوءُ/ فِيه نُكْهَةُ التُّفَّاحِ/ فِيهِ حَسَكُ الأَغْلاَلِ/ فِيهِ رِئَةُ الْخَلْخَالِ/ فِيهِ كِبْرِيَاءُ التَّاجِ/ فِيهِ بَعَرُ الآرَامِ/ فِيهِ النَّفَسُ المَصْهُورُ/ فِِيهِ الأَصْغَرَانِ/ فِيهِ أَوْرَاقُ الصُّحُف(34).
لم يضع الشاعر في النص الأول محطات ثابتة للوقف. ولكن على القارئ أن يختار المكان الذي يراه صالحا. أما النص الثاني، فقد فرض علينا الشاعر المكان الذي ينبغي أن نقف عنده. وذلك باعتماده على ظاهرة التكرار. ويتمثل هنا في تكرار شبه الجملة [فيه] لدرجة أن النص يمكن أن يُوزع على عدة أسطر، كل سطر تتصدره [فيه]. وهذا إثراء للإيقاع في هذا النص.
هوامش
(1) انظر على سبيل المثال ديوان مرثية المصلوبين لعنيبة الحمري، خاصة الصفحات: 5-6-7-8-9-13-14-15-16- إلخ.
(2) مرثية العمر الجميل. ص: 5.
(3) قرارة الموجة. ص: 199.
(4) لم يبق الاعتراف.
(5) أحلام الفارس القديم.
(6) رماد هسبريس. ص: 45.
(7) الزمان الجديد.
(8) قضايا الشعر المعاصر نازك. ص: 137.
(9) ن.م. ص: 138.
(10) أوراق مهربة من زمن الحصار. دراسة تحليلية. محمد علي الرباوي. م. المشكاة. ع. 15-16- جمادى1. 1413/ يوليو-دجنبر 1992.
(11) البنية الإيقاعية. أحمد المعداوي. مجلة الوحدة. ص: 55.
(12) نفسه.
(13) ظاهرة الشعر المعاصر بالمغرب. ص: 53.
(14) ن.م. ص: 55.
(15) ن.م. ص: 60.
(16) ن.م. ص: 81.
(17) ن.م. ص: 81.
(18) ن.م. ص: 81.
(19) ظاهرة الشعر المعاصر بالمغرب ، ص :83
(20) ظاهرة الشعر المعاصر بالمغرب. ص: 83.
(21) السقوط. المجاطي. ص: 63 وما بعدها.
(22) قضايا الشعر المعاصر. نازك. ص: 101.
(23) قضايا الشعر المعاصر. نازك. ص: 99.
(24) أوراق في الريح. ص: 83.
(25) لم يبق إلا الاعتراف. ص: 52.
(26) للصلاة والثورة. دار العلم للملايين. بيروت. ص: 56.
(27) ن.م. ص: 55.
(28) المعبد الغريق. السياب. دار العلم للملايين. بيروت. ط2: 1968. ص: 46.
(29) كائنات مملكة الليل. دار الآداب. بيروت. ط1: 1978. ص: 38.
(30) مرثية للعمر الجميل. دار العودة، بيروت. ط1973. ص: 42 وما بعدها.
(31) كائنات مملكة الليل. ص: 90.
(32) ديوان البياتي. دار العودة. بيروت. ط. 3: ْ2/153.
(33) أياد كانت تسرق القمر. راجع. دار النشرة المغربية. البيضاء. ط: 1988. ص: 24.
(34) ويكون إحراق أسمائه الآتية: السرغيني. منشورات عيون. البيضاء. ط: 1987 .ص: 19.
18/9/2011
محمد علي الرباوي
إن البيت لا تخطئه الأذن كيفما كان شكله. لكن الشاعر المعاصر المتأثر ببعض نماذج الشعر العربي المنجز في عصر الدول المتعاقبة، صار يخاطب أيضا حاسة البصر؛ فلهذا صار الشاعر يوزع بيته على سطر واحد إذا كان قصيرا، أو على عدة أسطر إذا كان طويلا. وقد يغطي في بعض الحالات كلَّ النص. وفي هذه الحالة قد يوزع البيت على أسطر، إما متساوية، وإما غير متساوية. وقد يُكتب النص بأسطر متصلة، فينخدع القارئ، إذ يظن أنه أمام نص نثري. وقد تكتب مجموعة من الأبيات في سطر واحد(1). لكن هل توزيع البيت على أسطر يتم اعتباطا، أو أن ثمة غاية؟ والحق أننا، بعد استقراء المتن المدروس، تأكد لنا أن هذا التوزيع مرتبط بغاية جمالية بالأساس. فلنقرأ النماذج التالية للتمثيل:
يقول عبدالمعطي حجازي:
أَعْبُرُ أَرْضَ الشَّارِعِ الْمَزْحُومِ لاَ تُوقفنِي الْعَلاَمَهْ
أُثِيرُ حَيْثُمَا ذَهَبْتُ الْحُبَّ وَالْبُغْضَ
وَأَكْرَهُ السَّآمَهْ(2)
وتقول نازك الملائكة:
»أَلَسْتَ تَرَى«
»خُذْهُمَا !«
ثُمَّ سَادَ السُّكُونُ الْعَمِيقْ
وَلَمْ يَبْقَ مِنْ شَبَحٍ فِي الطَّرِيقْ(3)
ويقول حجازي:
ثُمَّ بَكَتْ.. وَابْتَسَمَتْ
وَكَانَ نُورُ الْقَمَرِ الْغَارِبِ يَمْلأُ الزُّجَاجْ(4)
ويقول صلاح عبد الصبور:
وَالشَّمْعَةُ الْوَحِيدَةُ الَّتِي وَجَدْتُهَا بِجَيْبِ مِعْطَفِي
أَشْعَلْتُهَا لَكُمْ...
لَكِنَّهَا قَدِيمَةٌ مَعْرُوفَةٌ لَهِيبُهَا دُمُوعْ(5)
ويقول الخمار الكنوني:
دَمْعاً (هَلْ كَانَ شِتَاءُ الْعَامِ دَفِيئاً؟
أَوْ كَانَ النَّبْتُ الطَّالِعُ فِي الأَجْدَاثِ أَلِيما(6)
ويقول الأمراني:
لَكِنَّ لِي فِي كُلِّ عَامٍ رِحْلَةً وَتَشَرُّداً
وَكَأَنَّنِي جَوَّابُ أَوْدِيَةٍ وَآفَاقٍ
وَلِي فِي كُلِّ عَامٍ غُرْبَةٌ
مُتَأَبِّطاً سَيْفِي(7)
هذه النماذج، يمكن أن تتخذ تشكيلا آخر. فلماذا فتت أبياتها على أكثر من سطر رغم أن بعض النقاد يرفضون هذا التفتيت. تقول نازك: »الأصل في الشعر أن يكتب بحسب وزنه وتفعيلاته. فيقف الكاتب عند نهاية الشطر العروضي. وهذا القانون يسري على الشعر في العالم كله(8)، فحيثما وُجد الشعر كان وزنه هو الذي يتحكم في كتابته. إننا لا نقف بحسب مقتضيات المعاني، وإنما نقف حيث يبيح لنا العروض«(9). ومجمل هذا الكلام صحيح. لكن المسرح الشعري لم يلتزم بهذا القانون، والشاعرة نفسها لم تلتزم به؛ فجل أشعارها المكتوبة على الخفيف، وزعتها توزيعا حرا، ولم تقتصر على الخفيف. فالنموذج الثاني يؤكد أنها لم تلتزم به حتى في شعر التفعيلة. ومع ذلك، فملاحظتها تبقى، إلى حد ما، صحيحة. إن البيت، كيفما كان الشكل الذي يتخذه على الورق، يبقى بيتا مسموعا. والمسموع يتحكم العروض في تشكيله في السمع. على كل، إن هذه النماذج اتخذت ما اتخذته من شكل للأسباب التالية:
يتألف النموذج الأول من بيتين بقافية موحدة. للبيت الأول ضرب مخبون مقطوع. وللبيت الثاني ضرب مرفل. ولجعله مخبونا مقطوعا كالبيت الأول، فضل الشاعر توزيعه على سطرين، كلاهما من إيقاع الرجز. السطر الأول ينتهي بـ «فعْلن» بإشباع حرف الضاد. والسطر الثاني ينتهي بضرب على وزن «فعولن»، وهي صورة ضرب البيت الأول. من هنا، نقول: إن تفتيت البيت خدم وحدة الضرب لتحقيق انسجام إيقاعي.
النموذج الثاني عبارة عن بيتين. وزعت نازك البيت الأول على ثلاثة أسطر. لماذا؟ إن النص الذي منه هذا النموذج من شعر التفعيلة، مبني بناء دراميا، وأكثره يقوم على أسلوب القص. والسطران الأولان من النموذج يمثلان كلام الحارس. أما السطر الثالث، فمن كلام الراوية؛ أي الشاعرة. ففي كلام الحارس، أسلوبان: أسلوب استنكاري، وأسلوب الأمر. ولهذا، فصلت الشاعرة بين الأسلوبين، حيث يمثل السطر الأول الأسلوب الأول، والسطر الثاني الأسلوب الثاني.
النموذج الثالث يمثل بيتا واحدا ينتهي بروي الجيم. لكن الشاعر وزعه على سطرين. والسطر الأول، كان بالإمكان أن يوزع أيضا على سطرين، فيصبح النموذج:
ثُمَّ بَكَتْ..
وَابْتَسَمَتْ
وَكَانَ نُورُ الْقَمَرِ الْغَارِبِ يَمْلأُ الزُّجَاجْ
وهذا التشكيل لا يؤثر في العروض، ولكنه يجعل النموذج ثلاثة أبيات. البيتان الأولان روي واحد، ولروي البيت الثالث صدى في النص الذي اقتبسنا منه هذا النموذج. ولكن نغمة التفاؤل الغالبة على هذا النموذج الشعري أوحت إلى الشاعر بإخفاء القافية، وجعل السطرين سطرا واحدا حتى تصبح «بكيت» حشوا، و»ابتسمت» ضربا. وبهذا، تبقى نغمة التفاؤل بارزة. وقد عزز بروزَها السطرُ الموالي.
النموذج الرابع يتألف من ثلاثة أسطر، يمكن اعبتارها بيتا واحدا ينتهي بروي العين. لكن الملاحظ، خاصة في السطر الثاني، أن الشاعر قد أنهاه بثلاث نقط باعتبارها علامة على ما للضرب من حذف، وهذه العلامة تفرض وقفة عندها. فلو ربط الشاعر هذا السطر بما يليه، فإن علة ستظهر حشو البيت على الشكل التالي:
- أَشْعَلْتُهَا| لَكُمْ..| لَـكِنَّهَا| قَدِيمَةٌ| مَعْرُوفَةٌ| لَهِيبُهَا | دُمُوعْ|
= مستفعلن|متف|مستفعلن |متفعلن|مستفعلن | متفعلن |فعول|
فالجزء الثاني من هذا البيت، به علة النقص. والعلة لا تلحق الأجزاء إلا في العروض أو الضرب. والشاعر يدرك هذا، ولكي يتخلص من هذا «العيب» فَضَّل توزيع البيت على الشكل الذي يجعل «مُتَفْ»/ «لَكُمْ» تبدو وكأنها ضرب البيت.
النموذج الخامس يقدم سطرين يمكن اعتبارهما بيتا واحدا على الخبب. والجمع بينهما في بيت واحد يؤدي إلى ظهور علة غريبة في البحر.
إن اعتبار كل سطر بيتا واحدا يجعل النص يقوم على «فعِلن» أو «فعْلن». أما جعلهما في بيت واحد متصل، فإن «فاعلُ» ستدخل حشوه. فلعل الشاعر لا يرتاح لهذه العلة، رغم أنها صارت مألوفة في شعر التفعيلة كما سنرى في الفصل الموالي. ولهذا، فضل التخلص منها بتوزيع بيته على سطرين.
النموذج السادس يتكون من أربعة أسطر. وكان بالإمكان أن يكتب كما يكتب النثر. أي أن يجمع بينها في أسطر متصلة. صحيح، ليس ثمة فرق بين الكتابتين على مستوى المعنى، ولا على مستوى العروض. لكن الفرق يتجلى فيما يأتي:
من المعروف أن للقافية دورا أساسيا في القصيدة العربية. ذلك، لأنها تطلق مجازا على القصيدة. ولأهميتها، تسمى القصيدة باسم روي قافيتها؛ كأن نقول مثلا: لامية امرئ القيس، أو ميمية عنترة (...) وتعود أهميتها إلى ارتباطها بالضرب، إذ هو - مع العروضة- مفتاح القصيدة.. والشاعر حسن الأمراني، بموهبته، يدرك أهمية القافية، وأهمية الضرب؛ لهذا أراد أن يوهمنا بأن الكلمات التالية: «تشردا»، «آفاق»، و»غربة» هي قواف يتحتم، ونحن نقرأ النص، أن نتوقف عندها. والتوقف عند الكلمة أثناء القراءة أو الإنشاد يعطيها أهمية يبرزها للمستمع. وبهذا الإيهام، جعلنا الشاعر ندرك حجم مأساة هذا الشعب المشرد، الذي يجوب الآفاق عله يجد ملجأ يأويه(10).
إذن فتوزيع البيت على عدة أسطر ليس عملا اعتباطيا، كما وضحنا من خلال تحليلنا للنماذج السابقة. لكن يحدث أن ينشر الشاعر نصا، فيوزعه توزيعا معينا. وحين يعيد نشره، يعيد توزيعه توزيعا جديدا مخالفا للتوزيع الأول. وهذا شيء طبيعي كالإنشاد الذي تتغير نغماته تبعا للحالة النفسية والثقافية والاجتماعية التي يكون عليها المنشد.
ولكن، بعد كل هذا، نجد بعض الدارسين يعالجون موضوع البيت في القصيدة الحرة معالجة معيارية لا تثبت أمام النقد، لأنهم لا يدركون، أو لا يريدون أن يدركوا أن البيت قد يتخذ أكثر من تشكيل إذا تعددت طبعاته.
لقد درس محمد بنيس البيت في المتن الشعري المعاصر بالمغرب، ونقلا عن جون كوهن، أعطى البيتَ ثلاثةَ قوانين مرتبطة بالوقفة؛ وهي:
- الوقفة الدلالية والنظمية والعروضية،
- الوقفة العروضية فقط،
- الوقفة المحدودة ببياض.
وهذه المصطلحات، كما لاحظ بحق الأستاذ أحمد المجاطي(11)، مستعارة من عروض الشعر الفرنسي ولها ما يقابلها في تراثنا النقدي والعروضي، فالقانون الأول يقابله البيت القائم بذاته، وهو ما يفضله النقد العربي القديم. القانون الثاني يقابله التضمين أو التدوير النحوي أو التركيبي كما سماه المجاطي. والقانون الثالث هو التدوير العروضي(12).
والحق أن القانون الثالث لا محل له من الإعراب، لأنه لا يصدق على البيت، كما وصفناه في هذا البحث، وإنما يصدق على ما سماه حركات بالبيت الخطي، أو السطر الشعري كما يريد عزالدين إسماعيل. وهذا يدل على أن الباحث لا يميز بين البيت والسطر. والغريب أنه بنى على هذه القوانين الثلاثة نتائج ! فالقانون الأول ?وهو قانون صحيح- فيه مصالحة مع المفهوم السائد، أي: مصالحة مع القديم التقليدي(13)، ويأتي في درجة جمالية أفضل القانونُ الثاني ?وهو قانون له وجود فعلي- إذ يعتبره الباحث «أرقى» وأكثرَ تخلصا من النفس التقليدي السائد(14). أما القانون الثالث ?وليس له في الواقع وجود- فهو الأهم، لأنه «في نظره» أكثر هذه البنيات الجزئية الثلاث تقدما وارتباطا بمحاورة النص الشعري التقليدي(15). ويرتبط بهذا حديثه عن التفعيلة الأخيرة في البيت، إذ جعل لها قانونين: التفعيلة التامة والتفعيلة الناقصة. فالقانون الأول مرتبط بالقانونين الأول والثاني للبيت(16). ويقصد بالتامة أن تكون جميع تفاعيل البيت، وخاصة الأخيرة منها بغير حاجة إلى جزء آخر لتتميم الإيقاع الناقص في آخر البيت(17). أما القانون الثاني، فيرتبط عضويا بالقانون الثالث من قوانين البيت الشعري(18) وهذا القانون، في نظره، «أصعب» ! من قانون التفعيلة الأول، لأن الشاعر يحاور التراث من زاوية أكثر تقدما ! (19) .مع العلم أن هذا القانون لا وجود له في الشعر العربي، لأن البيت الذي ينتهي بهذه التفعيلة لا يكون بيتا إذا كان إتمام النقص يتم بربط السطر بالسطر الموالي كما مر بنا.
الغريب في كل ما طرحه الأستاذ بنيس هو هذه النغمة المعيارية: فالقوانين الشعرية ليست على مستوى واحد، فيها ما هو سهل، وفيها ما هو صعب ! فيها ما هو تقليدي، وفيها ما هو تعبير عن روح الحداثة. وينسى الباحث أن الشاعر يوزع أبياته توزيعا جديدا كلما أعاد نشرها، وينتِج عن هذا أن قانونا قد يكون حاضرا في توزيع ما سرعان ما يختفي ليحل محله قانون آخر. فكيف نحكم على النص؟
لقد مثل الباحث للقانون الأول من قانون البيت بهذا النموذج للشاعر أحمد المجاطي:
أَسْكُنُ فِي قَرَارَةِ الْكَأْسِ، أُحِيلُ شَبَحِي مَرَايَا
أَرْقُصُ فِي مَمْلَكَةِ الْعَرَايَا
أَعْشَقُ كُلَّ هَاجِسٍ غُفْلٍ وَكُلَّ نَزْوَةٍ أَمِيرَهْ
أُبْحِرُ فِي الْهُنَيْهَةِ الْفَقِيرهْ
أُصَالِحُ الْكَائِنَ وَالْمُمْكِنَ وَالْمُحَالْ
أَخْرُجُ مِنْ دَائِرَةِ الرَّفْضِ وَمِنْ دَائِرَةِ السُّؤَالْ
أُرَاقِبُ الأَمْطَارْ
تَجِفُّ فِي الطَّوِيَّةِ الإِمَارَهْ
تُسْعِفُنِي الْكَأْسُ وَلاَ تُسْعِفُنِي الْعِبَارَهْ(20)
لكن المجاطي، حين نشر ديوانه، كتب هذا المقطع على الشكل التالي:
أَسْكُنُ فِي قَرَارَةِ الْكَأْسِ
أُحِيلُ شَبَحِي
مَرَايَا
أَرْقُصُ فِي مَمْلَكَةِ الْعَرَايَا
أَعْشَقُ كُلَّ هَاجِسٍ غُفْلٍ
وَكُلَّ نَزْوَةٍ
أَمِيرَهْ
أُبْحِرُ فِي الْهُنَيْهَةِ الْفَقِيرَهْ
أُصَالِحُ الْكَائِنَ
وَالْمُمْكِنَ
وَالْمُحَالْ
أَخْرُجُ مِنْ دَائِرَةِ
الرَّفْضِ
وَمِنْ دَائِرَةِ السُّؤَالْ
أُرَاقِبُ الأَمْطَارْ
تَجِفُّ فِي الطَّوِيَّةِ
الإِمَارَهْ(21)
إذن، فأبيات هذا النص، في دراسة بنيس، خاضعة للقانون الأول. لكن أكثرها في الديوان خاضع للقانون الثالث «المتطور» و»الأرقى». والحق ?وهذا ما لم يدركه الباحث- أن البيت في الديوان هو البيت نفسه في الدراسة، إلا أن تشكيله وقع فيه تغيير لمقتضيات فنية جديدة عاشها الشاعر، وهو يقدم عمله للطبع.
إن ما وقع فيه الباحث من وهم راجع ?بكل بساطة- إلى فهمه الخاطئ للبيت. ثم لماذا نفضل قانونا على آخر؟ إن الشاعر، حين يكون أمام تجربة ذات طابع غنائي وجداني، لا يجد أمامه إلا القانون الأول من قوانين البيت لأنه الأصلح. وحين يجد نفسه أمام تجربة درامية أو أمام عمل يتطلب القص، فإن القانون الثاني هو الأنسب. وقد مر بنا أن صاحب العمدة قد أشار إلى شيء من هذا عند حديثه عن البيت المدمج.
البيت في الأرجوزة، إما أنه مؤلف من جزء واحد، أو من جزأَين، أو من ثلاثة أجزاء. وهذا أقصى ما يصل إليه البيت في الأرجوزة. أما في القصيدة، فالبيت التام يتألف من ستة أجزاء، والمجزوء من أربعة أجزاء. لكن، إذا كان البيت على أحد بحري الدائرة الخامسة، فإنه يتألف من ثمانية أجزاء إذا كان تاما، ومن ستة إجزاء إذا كان مجزوءا، ويلحق بهذه الدائرة الطويل والبسيط. أما البيت في الموشح، فيكون إما موحدا، أو مثنى، أو مشطورا، أو مجزوءا.
وفي القصيدة الحرة، حاولت نازك ربط البيت من حيث عددُ أجزائه بالبيت في تراثنا الشعري فهي تريد أن يكون البيت في هذا الشكل الجديد إما موحدا، أو منهوكا، أو مجزوءا، أو مشطورَ المجزوءِ، أو مشطورَ التام. وهذا ما يفسر رفضها البيت المكون من خمسة أجزاء. تقول: »إن الشعر العربي في مختلف عصوره لم يعرف الشطر ذا التفعيلات الخمس. وإنما كان الشطر يتألف إما من تفعيلتين كما في الهزج، والمجتث، والمضارع، أو من ثلاث كما في الرجز، والرمل، والكامل، أو من أربع، كما في الطويل، والبسيط، والمتقارب، والخبب. وعند هذا، وقف الشاعر. فلم نقرأ له أشطرا ذات خمس تفعيلات إطلاقا(22). وهذا يعني أن الشطر في شعر التفعيلة لا يحتمل خمسة أجزاء، مع العلم أن الشاعرة، على مستوى الإنجاز، كتبت أبياتا خماسية الأجزاء.
وسبب رفضها البيتَ الخماسي [وينتِج عن هذا رفضها البيت السباعي والتساعي] هو ما تتمتع به من ذوق مستمد من حبها القصيدةَ العربية، التي سن قوانينها الشاعر الجاهلي، وهي قوانين أملاها ارتباط الشعر بالغناء، لأن الغناء يفضل الأبيات القصيرة. أما اليوم، حيث إن الشعر، وخاصة القصيدة الحرة ما عاد يغري أهل الغناء لاهتمامه بالقارئ، فلا بأس أن يطول هذا البيت. وتقول نازك مرة أخرى: »هل يستسيغ سمع الشاعر أن يورد أكثر من ست تفعيلات أو ثمان في الشطر الواحد. الجواب على هذا قد ثبت لي بالتجربة الطويلة، وقراءة مئات من قصائد الشعراء أن ذلك غير سائغ ولا مقبول، لأن الغنائية في تفعيلات الشعر تفقد حدتها، وتأثيرها حين تتراكم تفعيلات متواصلة لا وقفة عروضية بينها. فضلا عن أن تواتر التفعيلات الكثيرة مستحيل لأنه يتعارض مع التنفس عند الإلقاء، لا بل يتعب حتى من يقرأه قراءة صامتة بما يحدث من الرتابة«(23).
من حق نازك أن تقول ما قالته، ومن حق الشاعر أن يعطي إحساسَه حقَّ اختيار المدى الزمني المناسب للبيت. لهذا، نقول إن واقع البيت في القصيدة الحرة، إما أن يكون من جزء واحد، أو من أكثر، حيث قد يغطي نصا شعريا كاملا. وفي هذه الحالة، تصعب قراءته في نفس واحد. وهذا لم يغب عن الشاعر؛ فالتجأ، كالشاعر القديم، إلى التقسيم، وهو أنواع مر بنا وصفها. لهذا، سنقتصر في هذا المقام على الوقوف على أحد أشكاله، وهو الترصيع الذي يكون في القصيدة الحرة إما داخليا، وإما خارجيا:
1-وَرُبَّمَا تَجَسَّدَتْ قَرْطَاجَةٌ
دَقَائِقُ الْغُبَارِ فِيهَا لَهَبٌ
والطِفْلُ فِيهَا حَطَبٌ ذَبِيحَةُ الْمَصِيرِ(24)
2-لاَ تَسْخرِي مِنْ منْظَرِي أَيَّتُهَا الْهِرَّة(25)
3-مِنْ سَهَرٍ أَهْدَابُنَا مَبْلُولَةٌ
مِنْ سَهَرٍ أَنْغَامُنَا مَقْتُولَةٌ
وَالسَّهَرُ الْوَسْنَانُ فِي عُيُونِنَا فَتَرْ
وَانْهَمَرَ الْمَطَرْ(26)
4-وَانْكَسَرَتْ مِنْ حَوْلِنَا الرُّبَى
وَانْتَثَرَتْ أَقْمَارُنَا
أَعْمَارُنَا
أَشْعَارُنَا
وَاللَّوْنُ فِي خُدُودِنَا خَبَا(27)
5-وَسَاكِنِيهَا مِنْ أَغَانِيهَا وَمِنْ شَكَاتِهَا
نُحِسُّ كَيْفَ يَسْحَقُ الزَّمَانُ إِذْ يَدُور(28)
6-بَلَى !
وَقَدْ لَجَّتْ بِنَا النَّشْوَةُ حَتَّى رُؤْيَةِ الْمَوْتِ
وَقَدْ لَجَّتْ بِنَا حَتَّى ازْدِرَاءِ الْمَوْتِ
هَا أَنْتِ انْتَشَيْتِ
وَتَخَضَّبْتِ بِأَسْمَاءِ الْمَطَرْ
ثُمَّ خَرَجْتِ لِلتَّتَرْ(29)
7-أَتُوهُ فِي الصَّحَارَى
حَتَّى أَرَى يَنْبُوعا
أُصْبِحُ فِيهِ قَطْرَةً
أَوْ بُرْعُماً مَقْطُوعَا
أَعْبُرُ فِيهِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَا
وَالصَّيْفَ وَالرَّبِيعَا
أَدْخُلُ فِيهِ دَارَا
أَخْرُجُ مِنْ نَافُورَةٍ فِي صَحْنِهَا
تَأْخُذُنِي صَبِيَّةٌ فِي حِضْنِهَا
تَمْسَحُ عَنِّي الْعَارَا(30)
8-مَا الَّذِي قَالَتِ الْبِئْرُ لِلرِّيحِ
وَالنَّارُ لِلشِّيحِ
وَالنَّاقَةُ الْمُسْتَحِمَّةُ فِي قَعْرِ الْغَوْرِ لِلسِّنْدِيَان(31)
9-فِي سَنَوَاتِ الْعُقْمِ وَالْمَجَاعَهْ
بَارَكَنِي
عَانَقَنِي
كَلَّمَنِي
وَمَدَّ لِي ذِرَاعَهْ
وَقَالَ لِي:
اَلْفُقَرَاءُ أَلْبَسُوكَ تَاجَهُمْ
وَقَاطِعُو الطَّرِيقْ
وَالْبُرْصُ وَالْعُمْيَانُ وَالرَّقِيقْ(32)
بهذه النماذج، ترصيع داخلي، وترصيع خارجي. وفي الوقت ذاته، تثير بعضُ هذه النماذج، خاصة تلك التي تشتمل على الترصيع الخارجي، مشكلةَ تحديد البيت، وهذه مناسبة لمعالجته في هذا المقام.
إن الترصيع هنا يقوم على وجود القافية.
فالنموذج الأول يتألف من بيت موزع على ثلاثة أسطر، مجموع أجزائها عشرة. وهذا عدد كبير. لكن الشاعر أحدث محطتين للاستراحة: الأولى عند كلمة «لهب»، وهي آخر السطر. والثانية عند كلمة «حطب»، وهي في حشو البيت. وهذا ترصيع داخلي، أو نصف داخلي. كان بإمكان الشاعر أن يكتب نصه على الشكل التالي:
وَرُبَّمَا تَجَسَّدَتْ قَرْطَاجَةٌ دَقَائِقُ الْغُبَارِ فِيهَا لَهَبٌ
وَالطِّفْلُ فِيهَا حَطَبٌ
ذَبِيحَةُ الْمَصِير
لكنه، لو اختار هذا التشكيل، فإنه سيكون من المفروض اعتبار السطر الأول والثاني بيتين بروي الباء. وفي هذه الحالة، سنكون أمام ضربين تامين مختلفين عن ضرب البيت الثالث وأضرب باقي النص، حيث التزم فيها الشاعر القطع مع الخبن. فلهذا، أخفى الترصيع، وهذا الإخفاء يجعلنا نقرأ/ لَهَبٌ/ و/ حَطَبٌ/ بالتنوين، وهذه القراءة أجمل من قراءة إشباع حركة الباء، لما يحدثه التنوين من رنين جميل.
النموذج الثاني هو عبارة عن بيت قصير مؤلف من أربعة أجزاء، وموزع على سطر واحد، يشتمل على ترصيع داخلي، وكان بإمكان الشاعر أن يجعل كل قسيم بيتا، لكن هذا سيؤدي إلى وجود ضربين متساويين يقابلان ضربا منتهيا بتفعيلة ناقصة؛ لهذا، آثر الشاعر الترصيع الداخلي.
النموذج الثالث هو عبارة عن بيتين موزعين على أربعة أسطر. يشتمل البيت الأول على عشرة أجزاء، وهذا الطول جعل الشاعرة ترصعه ترصيعا خارجيا. ويوحي القسيمان الأولان بأنهما بيتان مستقلان. وكان بالإمكان اعتبارهما كذلك. ولكن الشاعرة من أكثر الشعراء العرب حرصا على التزام وحدة الضرب؛ وهو هنا [فَعُو]. فإذا اعتبرنا القسيمين بيتين، صرنا أمام ضرب جديد يُحدث بالنسبة لنازك، ولأذنها نشازا. ولهذا، وضعت التنوين آخر كل سجعة حتى لا نقف عليها بالسكون، وهو أمر جائز.
النموذج الرابع: البيت الثاني فيه موزع على أربعة أسطر. وهو مشتمل على ترصيع خارجي: /أقمارنا/ أعمارنا/ أشعارنا/. وكل قسيم يمكن اعتباره بيتا. إذ تصبح هذه الأقسمة موحدة الروي. لكن، مرة أخرى، سنكون أمام ضرب مخالف لأضرب النص الشعري الذي اقتبسنا منه هذا النموذج.
النموذج الخامس: هو بيت من ثمانية أجزاء موزع على سطرين، ويشتمل على ترصيع داخلي لكنه، هنا، يكسر العروض. وهذا يخالف الترصيع الذي مر بنا في النماذج السابقة.
وَسَاكِنِيهَا = مفاعلاتن
مِنْ أَغَانِيهَا = فاعلالاتن
ولعل هذا ما جعل الشاعر يفضل جعله ترصيعا داخليا.
النموذج السادس: بيتان موزعان على ستة أسطر. البيت الأول من اثني عشر جزءا. وهذا الطول فرض على الشاعر استعمال الترصيع الخارجي، وهو ترصيع غير عروضي، لكنه أحدث نغما جديدا. فالنص من الرجز، ليس في أضربه علة. لكن الأقسمة الثلاثة جاءت على إيقاع مخالف. فالقسيم الأول على الهزج، والثاني على الهزج المخروم، والثالث هزج أو وزن من أوزان الوافر المخروم.
النموذج السابع: يتألف من سبعة أبيات على النظام القافوي التالي: أ ب ب أ ب أ أ. ولهذه الأبيات ضرب موحد مصاب بعلة القطع، واعتبرنا البيت الأخير مرصعا ترصيعا خارجيا، لأن كل قسيم منه ينتهي بضرب صحيح. وهذا مخالف لنسق أضرب هذه القصيدة الحرة.
النموذج الثامن: هو عبارة عن بيت واحد موزع على ثلاثة أسطر. ويشتمل على اثني عشر جزءا. هذا الطول فرض أن يكون هذا البيت مرصعا ترصيعا خارجيا يوحي كل قسيم فيه بأنه بيت مستقل. فالقسيم الأول ينتهي بـ «فعْلن». والقسيم الثاني يصبح من المتقارب المخروم المنتهي بتفعيلة مبتورة، والثالث من المتقارب المخروم. وبهذا تتعدد أضرب النص الذي حافظ فيه الشاعر على وحدة البحر ووحدة الضرب. وهذا يفرض علينا اعتبار القسيمين جزءا من البيت.
النموذج الأخير: يشتمل على أربعة أبيات موزعة على تسعة أسطر، ونظامها القافوي على الشكل التالي: أ أ ب ب. لكن البيت الثاني اشتمل على خمسة أجزاء، وعلى ترصيع خارجي، وكل أقسمته موحدة الروي، وعدُّها أبياتا يجعل أضربها تخالف أضرب القصيدة.
وبهذا يكون الترصيع عنصرا نغميا يثري إيقاع البيت الشعري حين يطول. لكن هناك تقسيمات لا تظهر فيها القافية أو السجع، تلحق كذلك الأبيات الطويلة، نمثل لها بالنموذجين التاليين: الخطوط المائلة من وضعنا.
- (...) فَلَعَلَّ قَصِيدَةَ هَجْوٍٍٍ/ تَقْذِفُ إِسْرَائِيلَ إِلَى الْبَحْرِ../ لَعَلَّ الشِّيخَاتِ الْمُتَّشِحَاتِ بِمَا لَذَّ وَطَابَ مِنَ الذَّهَبِ اللاَّمِعِ/ يَهْدِمْنَ بِرَقْصَتِهِنَّ عَلَى الْجَفْنَةِِ مَبْنَى الْكْنِسِيتْ/ وَأَقُولُ لَكُمْ/ غَنَّيْتُ/ وَأَعْرِفُ أَنَّ هَزَائِمَنَا/ تَبْدَأُ مِنْ كُلِّ زُقَاقٍ فِي الْوَطَنِِ الْعَرَبِي/ وَهَذَا جَسَدِي (...)(33).
- جَاءَ هَذَا الدَّغَلُ الْمَوْبُوءُ/ فِيه نُكْهَةُ التُّفَّاحِ/ فِيهِ حَسَكُ الأَغْلاَلِ/ فِيهِ رِئَةُ الْخَلْخَالِ/ فِيهِ كِبْرِيَاءُ التَّاجِ/ فِيهِ بَعَرُ الآرَامِ/ فِيهِ النَّفَسُ المَصْهُورُ/ فِِيهِ الأَصْغَرَانِ/ فِيهِ أَوْرَاقُ الصُّحُف(34).
لم يضع الشاعر في النص الأول محطات ثابتة للوقف. ولكن على القارئ أن يختار المكان الذي يراه صالحا. أما النص الثاني، فقد فرض علينا الشاعر المكان الذي ينبغي أن نقف عنده. وذلك باعتماده على ظاهرة التكرار. ويتمثل هنا في تكرار شبه الجملة [فيه] لدرجة أن النص يمكن أن يُوزع على عدة أسطر، كل سطر تتصدره [فيه]. وهذا إثراء للإيقاع في هذا النص.
هوامش
(1) انظر على سبيل المثال ديوان مرثية المصلوبين لعنيبة الحمري، خاصة الصفحات: 5-6-7-8-9-13-14-15-16- إلخ.
(2) مرثية العمر الجميل. ص: 5.
(3) قرارة الموجة. ص: 199.
(4) لم يبق الاعتراف.
(5) أحلام الفارس القديم.
(6) رماد هسبريس. ص: 45.
(7) الزمان الجديد.
(8) قضايا الشعر المعاصر نازك. ص: 137.
(9) ن.م. ص: 138.
(10) أوراق مهربة من زمن الحصار. دراسة تحليلية. محمد علي الرباوي. م. المشكاة. ع. 15-16- جمادى1. 1413/ يوليو-دجنبر 1992.
(11) البنية الإيقاعية. أحمد المعداوي. مجلة الوحدة. ص: 55.
(12) نفسه.
(13) ظاهرة الشعر المعاصر بالمغرب. ص: 53.
(14) ن.م. ص: 55.
(15) ن.م. ص: 60.
(16) ن.م. ص: 81.
(17) ن.م. ص: 81.
(18) ن.م. ص: 81.
(19) ظاهرة الشعر المعاصر بالمغرب ، ص :83
(20) ظاهرة الشعر المعاصر بالمغرب. ص: 83.
(21) السقوط. المجاطي. ص: 63 وما بعدها.
(22) قضايا الشعر المعاصر. نازك. ص: 101.
(23) قضايا الشعر المعاصر. نازك. ص: 99.
(24) أوراق في الريح. ص: 83.
(25) لم يبق إلا الاعتراف. ص: 52.
(26) للصلاة والثورة. دار العلم للملايين. بيروت. ص: 56.
(27) ن.م. ص: 55.
(28) المعبد الغريق. السياب. دار العلم للملايين. بيروت. ط2: 1968. ص: 46.
(29) كائنات مملكة الليل. دار الآداب. بيروت. ط1: 1978. ص: 38.
(30) مرثية للعمر الجميل. دار العودة، بيروت. ط1973. ص: 42 وما بعدها.
(31) كائنات مملكة الليل. ص: 90.
(32) ديوان البياتي. دار العودة. بيروت. ط. 3: ْ2/153.
(33) أياد كانت تسرق القمر. راجع. دار النشرة المغربية. البيضاء. ط: 1988. ص: 24.
(34) ويكون إحراق أسمائه الآتية: السرغيني. منشورات عيون. البيضاء. ط: 1987 .ص: 19.
18/9/2011
ندوة/ مؤتمر لسانيات النص وتحليل الخطاب
أرضية ندوة/ مؤتمر لسانيات النص وتحليل الخطاب[1]
الدورة الثالثة 19-24 نونبر 2012
Mohammed Khattabiمحمد خطابي
1. شهد القرن الماضي تحوّلات حاسمة، في طرق النظر ومعالجة الظاهرة اللغوية، غيرَ مستقلة عمّا حدث من تراكم في مجالي الفلسفة والعلوم الإنسانية والمادية. وربما كانت الآفاق التي فُتِحت أمام منهجيات المعالجة والإشكاليات النظرية ذات الصلة باكتساب اللغة ووصفها قدرةً وإنجازاً... من بين المنجزات التي أحدثت ثورة في تصوّر اللغة وما يرتبط بها من إنتاج.
سرعان ما انتقلت "عدوى" هذه التحوّلات إلى مجال كان شبه مستقل، أو هكذا كان يُدرَك، نعني النص. كان هذا المجال شبه "مؤمَّم" من قبل نظريات الأدب ونقده بحكم طبيعة الإنتاج الذي يُعتبَر ميدانَ اختبارهما أو اختصاصهما. غير أن الطمأنينة إلى ما استقرّ وطال أمده من آراء في هذا الباب أصابها رذاذ ما تحقّق في حقل المقاربات المؤسّسة في اللسانيات.
2. كانت بعض نتائج ذلك بروز مصطلحين استحوذا على المناقشات والأسئلة والمقاربات، نعني مصطلحي "الخطاب" و"النص"؛ فأثمر تخصيصهما بالتفكير والمعالجة أسئلة حقيقية هي أقرب إلى التحديات منها إلى ترَف التفكير وتمرين الذهن. بل إن الانكباب عليهما قاد إلى مساءلة مدى فعالية اللسانيات الحديثة، بناء على أن التواصل لا يَتوسّل الكلمات والجمل وإنما النصوص وضروب الخطاب.
ونظراً لما أضحت تخضع له طبيعة التفكير في الظواهر وتأمّلها في العصر الحديث علاوة على ضوابط إنتاج المعرفة العلمية، كان "من اللازم" تكوين فريق عمل ينكبّ على دراسة الوحدة التي اتُّخِذت موضوع بحث وتحليلِها ووصفِها وتقعيدِها. وقد كان لجامعة كونسطانس بألمانيا قصب السبق في هذا المنحى؛ غير أن تنوُّع وحدة البحث وتلوُّنها بجنس الإنتاج الذي تستمد منه تقاليدها وهويتها من ناحية، واستعصاءها على النظر اللساني -بحصر المعنى- من ناحية ثانية عجّلا بأن تتفرّق السّبل بفريق العمل فنحتَ كلٌّ طريقه وارتضاه وِجهةً للبحث والتدقيق.
3. وتأسيساً على هذا ظهرت مصطلحات-أسماء غدَت أعلاماً على توجّهات في البحث واختلاف في المرامي، من قبيل "نحو النص" و "لسانيات النص" و "علم النص" و "تحليل الخطاب" و"اللسانيات النقدية" و"النظرية السميوطيقية للنص"... وفي إثر ذلك تأسست فرق البحث ومجموعاته ومختبراته ووحداته في مختلف الجامعات عبر العالم. ولمّا كان هذا هكذا صار من المستساغ وضع مصطلحات وثيقة الصلة بمفاهيم المقاربات والتصورات التي توجّه خطاها. وما هي إلا أن استفادت الأبحاث مما تحقق في حقول العلوم الإنسانية والمادية وفي مقدمتها الفلسفة والبلاغة وعلم النفس المعرفي والذكاء الاصطناعي وعلوم الأحياء، وما جاورها. وبذلك تفرّعت الإشكاليات وتعدّدت أوجه استثمار ما تحقّق ومساءلته (على الرغم من أن المساءلة العلمية الجادّة تكاد تكون في حكم المعدوم؛ وما أحوج الاختصاصين معاً إلى إبستمولوجيا خاصّةٍ تكشف الثغرات، وتُعمِل النقد في الأطروحات النظرية، وأساليب النظر ومناهج المقاربة).
4. ولا بأس من التذكير بأن المبحثين معاً، لسانيات النص وتحليل الخطاب، انشغلا علاوة على أنواع الخطاب والنصوص بالترجمة من حيث هي ممارسة نصية تارة، ومن حيث هي ممارسة خطابية تارة أخرى. وقد نجم عن هذا الانشغال تجديد أسئلة الترجمة نظراً وممارسةً، ونحتُ توجهات جديدة عنوانها البارز "الترجمة من حيث هي نص" و "الترجمة من حيث هي خطاب". وإلى جوار هذا اعتنى التحليل النقدي للخطاب بما تنتجه وسائل الإعلام على اختلافها (مكتوبة ومسموعة ومرئية (فضائية ورقمية)...) منقِّباً في خطاب الجماعات والمجموعات سعياً في إماطة اللثام عن الإيديولوجيات والأحكام المسبّقة ورؤى الآخر واستراتيجيات ذلك كله، ودواعيه وخلفياته، ومقاصده وعواقبه.
وعلى هذا النحو يتّضح للمتّبع أن هذين المبحثين لا يفتُر فيهما نشاط البحث وأسئلته حتى غدا من الصعب لَمّ شتات ما تفرّق في الكتب والمجلات المختصّة، والدراسات والأبحاث، من نظريات وآراء لا تزداد إلا صلابةً وتشظياً في الوقت ذاته. أما الظاهرة اللافتة للاهتمام –على غرار ما سبق- فهي: أ) المحاولات التي تبذلها لسانيات النص (مهما اختلفت التسميات) في سبيل اكتساح عدد من أنواع النصوص واستقطاب عدد من الاختصاصات؛ ب) ما يبذله تحليل الخطاب من جهد حثيث للهيمنة وادعاء القدرة على معالجة جميع أنواع الخطاب وقراءتها في مسعى لا يختلف عن طموح لسانيات النص، كما سلف ذكره.
وعلى نحو ما هو معتاد انفتحت الأبحاث المنجزة في العالم العربي على هذه الانشغالات العلمية تأليفاً وترجمةً وتمحيصاً. وهكذا طفقت المؤلّفات والمقالات تتْرى مقتدية بما تقدّم تارةً، مجتهدةً تارة أخرى. وعلى الجملة بات هذا الاختصاص ينحت له طريقاً في مجال المعرفة العربية الحديثة باحثاً عن استقرار محتمل. وبفضل جهود عدد من الباحثين في مختلف الأقطار العربية أضحى اطلاع القارئ والباحث على بعض منتجات الحقلين أمراً متيسّراً.
5. لا يمكن أن ندّعي أو نرغب في أن تكون الجامعة في البلاد العربية بمنأى عمّا يعتمل في واقع المجتمعات العربية؛ ولذا نعتبر انشغال الجامعة بما يجري وانكبابها عليه بالتوثيق والتحليل والتفسير والتأويل جزءاً من دورها، بل هو جزء أساسٌ.
وتأسيساً على ما سبق نقترح على الباحثين سبعة محاور كبرى تكون مدار الدورة الثالثة:
لسانيات النص والترجمة نظريةً وممارسةً
تحليل الخطاب والترجمة نظريةً وممارسةً
حصيلة الترجمة في مبحثي لسانيات النص وتحليل الخطاب: ما الذي تُرجم إلى اللغة العربية وكيف تُرجم (تقويم الأعمال المترجمة وتقييمها)؟
مسألة المفاهيم والمصطلحات في التأليف والترجمة في مبحثي لسانيات النص وتحليل الخطاب (ما المصطلحات الرائجة؟ ما وضعها التداولي؟ ما المبادئ المحكَّمة في اختيار المترجمين أو المؤلفين؟).
الخطابان الإعلامي والسياسي المواكبان أو اللاحقان للانتفاضات في الأقطار العربية (خطب الرؤساء؛ شعارات المتظاهرين ولافتاتهم ورسومهم؛ البرامج الحوارية ذات الصلة؛ تحليلات الصحف العربية والدولية؛ تعليقات الفاعلين في المنظمات العربية والدولية؛ بيانات الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات الحقوقية؛ الخطاب الساخر المواكب (النكات والأشرطة الهزلية...).
تحليل الخطاب–النص (الإبداعي أو الديني أو التاريخي أو الفلسفي أو التربوي...) قديمه وحديثه بقطع النظر عن جنسه.
حصيلة الترجمة في مبحثي لسانيات النص وتحليل الخطاب: ما الذي تُرجم إلى اللغة العربية وكيف تُرجم (تقويم الأعمال المترجمة وتقييمها)؟
تلك هي المحاور التي نقترحها لأعمال هذه الدورة. والله ولي التوفيق
حررها الأستاذ محمد خطابي
توضيحات تنظيمية:
ستنعقد الندوة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن زهر، أكادير؛
أ- وجوب التزام البحث بمحور من المحاور السبعة أعلاه.
ب- إرسال ملخص البحث (صفحة واحدة): 30 نونبر 2011 .
ج- الإخبار بقبول الملخص: 30 دجنير 2011.
د- تسليم البحث كاملاً مرقوناً (بنظام "وورد" خط Traditional Arabic قياس 16) يوم 15 يونيو/حزيران 2012.
هـ وضع الحواشي في أسفل الصفحة متسلسلة الترقيم.
و- الإخبار بقبول البحث 15 يوليو 2012.
ز- الندوة/المؤتمر أيام 19-24 نونبر 2012.
ح. رسوم المشاركة في المؤتمر 550 يورو.
المراسلة منسق الندوة/ المؤتمر:
nadwah2011@yahoo.fr
استمارة المشاركة في الدورة الثالثة من "مؤتمر لسانيات النص والخطاب"
19-24 نونبر 2012
اسم الباحث ولقبه بالحرفين العربي فاللاتيني:
الجامعة:
الكلية أو المؤسسة:
القسم:
الهاتف (اختياري):
الفاكس (اختياري):
البريد الإلكتروني:
طبيعة المشاركة: مشارك ببحث ( ) أو مستفيد من أشغال المؤتمر ( )
الرجاء وضع علامة (×) أمام اختياركم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* يرجى من السادة الأساتذة الأفاضل إرفاق هذه الاستمارة بملخص البحث وسيرة علمية مركَّزة.
+ تبعث الاستمارة إلى العنوان الآتي: nadwah2011@yahoo.fr
الملـــــخـــص
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اسم الباحث:
البريد الإليكتروني:
عنوان البحث:
المحور:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] نقصد بتحليل الخطاب الحقل المعرفي المسمّى كذلك (على الرغم من التباسات شديدة تنحو بالمفهوم منحى مائعاً لا يكاد ينضبط). على أننا ندرج فيه نظريات الأدب ومناهج تحليله ضماناً لرؤية ليبرالية تؤمن بتفاعل حقول المعرفة في العلوم الإنسانية، واقتراض بعضها من بعض، وانفتاحها بعضها على بعض
الدورة الثالثة 19-24 نونبر 2012
Mohammed Khattabiمحمد خطابي
1. شهد القرن الماضي تحوّلات حاسمة، في طرق النظر ومعالجة الظاهرة اللغوية، غيرَ مستقلة عمّا حدث من تراكم في مجالي الفلسفة والعلوم الإنسانية والمادية. وربما كانت الآفاق التي فُتِحت أمام منهجيات المعالجة والإشكاليات النظرية ذات الصلة باكتساب اللغة ووصفها قدرةً وإنجازاً... من بين المنجزات التي أحدثت ثورة في تصوّر اللغة وما يرتبط بها من إنتاج.
سرعان ما انتقلت "عدوى" هذه التحوّلات إلى مجال كان شبه مستقل، أو هكذا كان يُدرَك، نعني النص. كان هذا المجال شبه "مؤمَّم" من قبل نظريات الأدب ونقده بحكم طبيعة الإنتاج الذي يُعتبَر ميدانَ اختبارهما أو اختصاصهما. غير أن الطمأنينة إلى ما استقرّ وطال أمده من آراء في هذا الباب أصابها رذاذ ما تحقّق في حقل المقاربات المؤسّسة في اللسانيات.
2. كانت بعض نتائج ذلك بروز مصطلحين استحوذا على المناقشات والأسئلة والمقاربات، نعني مصطلحي "الخطاب" و"النص"؛ فأثمر تخصيصهما بالتفكير والمعالجة أسئلة حقيقية هي أقرب إلى التحديات منها إلى ترَف التفكير وتمرين الذهن. بل إن الانكباب عليهما قاد إلى مساءلة مدى فعالية اللسانيات الحديثة، بناء على أن التواصل لا يَتوسّل الكلمات والجمل وإنما النصوص وضروب الخطاب.
ونظراً لما أضحت تخضع له طبيعة التفكير في الظواهر وتأمّلها في العصر الحديث علاوة على ضوابط إنتاج المعرفة العلمية، كان "من اللازم" تكوين فريق عمل ينكبّ على دراسة الوحدة التي اتُّخِذت موضوع بحث وتحليلِها ووصفِها وتقعيدِها. وقد كان لجامعة كونسطانس بألمانيا قصب السبق في هذا المنحى؛ غير أن تنوُّع وحدة البحث وتلوُّنها بجنس الإنتاج الذي تستمد منه تقاليدها وهويتها من ناحية، واستعصاءها على النظر اللساني -بحصر المعنى- من ناحية ثانية عجّلا بأن تتفرّق السّبل بفريق العمل فنحتَ كلٌّ طريقه وارتضاه وِجهةً للبحث والتدقيق.
3. وتأسيساً على هذا ظهرت مصطلحات-أسماء غدَت أعلاماً على توجّهات في البحث واختلاف في المرامي، من قبيل "نحو النص" و "لسانيات النص" و "علم النص" و "تحليل الخطاب" و"اللسانيات النقدية" و"النظرية السميوطيقية للنص"... وفي إثر ذلك تأسست فرق البحث ومجموعاته ومختبراته ووحداته في مختلف الجامعات عبر العالم. ولمّا كان هذا هكذا صار من المستساغ وضع مصطلحات وثيقة الصلة بمفاهيم المقاربات والتصورات التي توجّه خطاها. وما هي إلا أن استفادت الأبحاث مما تحقق في حقول العلوم الإنسانية والمادية وفي مقدمتها الفلسفة والبلاغة وعلم النفس المعرفي والذكاء الاصطناعي وعلوم الأحياء، وما جاورها. وبذلك تفرّعت الإشكاليات وتعدّدت أوجه استثمار ما تحقّق ومساءلته (على الرغم من أن المساءلة العلمية الجادّة تكاد تكون في حكم المعدوم؛ وما أحوج الاختصاصين معاً إلى إبستمولوجيا خاصّةٍ تكشف الثغرات، وتُعمِل النقد في الأطروحات النظرية، وأساليب النظر ومناهج المقاربة).
4. ولا بأس من التذكير بأن المبحثين معاً، لسانيات النص وتحليل الخطاب، انشغلا علاوة على أنواع الخطاب والنصوص بالترجمة من حيث هي ممارسة نصية تارة، ومن حيث هي ممارسة خطابية تارة أخرى. وقد نجم عن هذا الانشغال تجديد أسئلة الترجمة نظراً وممارسةً، ونحتُ توجهات جديدة عنوانها البارز "الترجمة من حيث هي نص" و "الترجمة من حيث هي خطاب". وإلى جوار هذا اعتنى التحليل النقدي للخطاب بما تنتجه وسائل الإعلام على اختلافها (مكتوبة ومسموعة ومرئية (فضائية ورقمية)...) منقِّباً في خطاب الجماعات والمجموعات سعياً في إماطة اللثام عن الإيديولوجيات والأحكام المسبّقة ورؤى الآخر واستراتيجيات ذلك كله، ودواعيه وخلفياته، ومقاصده وعواقبه.
وعلى هذا النحو يتّضح للمتّبع أن هذين المبحثين لا يفتُر فيهما نشاط البحث وأسئلته حتى غدا من الصعب لَمّ شتات ما تفرّق في الكتب والمجلات المختصّة، والدراسات والأبحاث، من نظريات وآراء لا تزداد إلا صلابةً وتشظياً في الوقت ذاته. أما الظاهرة اللافتة للاهتمام –على غرار ما سبق- فهي: أ) المحاولات التي تبذلها لسانيات النص (مهما اختلفت التسميات) في سبيل اكتساح عدد من أنواع النصوص واستقطاب عدد من الاختصاصات؛ ب) ما يبذله تحليل الخطاب من جهد حثيث للهيمنة وادعاء القدرة على معالجة جميع أنواع الخطاب وقراءتها في مسعى لا يختلف عن طموح لسانيات النص، كما سلف ذكره.
وعلى نحو ما هو معتاد انفتحت الأبحاث المنجزة في العالم العربي على هذه الانشغالات العلمية تأليفاً وترجمةً وتمحيصاً. وهكذا طفقت المؤلّفات والمقالات تتْرى مقتدية بما تقدّم تارةً، مجتهدةً تارة أخرى. وعلى الجملة بات هذا الاختصاص ينحت له طريقاً في مجال المعرفة العربية الحديثة باحثاً عن استقرار محتمل. وبفضل جهود عدد من الباحثين في مختلف الأقطار العربية أضحى اطلاع القارئ والباحث على بعض منتجات الحقلين أمراً متيسّراً.
5. لا يمكن أن ندّعي أو نرغب في أن تكون الجامعة في البلاد العربية بمنأى عمّا يعتمل في واقع المجتمعات العربية؛ ولذا نعتبر انشغال الجامعة بما يجري وانكبابها عليه بالتوثيق والتحليل والتفسير والتأويل جزءاً من دورها، بل هو جزء أساسٌ.
وتأسيساً على ما سبق نقترح على الباحثين سبعة محاور كبرى تكون مدار الدورة الثالثة:
لسانيات النص والترجمة نظريةً وممارسةً
تحليل الخطاب والترجمة نظريةً وممارسةً
حصيلة الترجمة في مبحثي لسانيات النص وتحليل الخطاب: ما الذي تُرجم إلى اللغة العربية وكيف تُرجم (تقويم الأعمال المترجمة وتقييمها)؟
مسألة المفاهيم والمصطلحات في التأليف والترجمة في مبحثي لسانيات النص وتحليل الخطاب (ما المصطلحات الرائجة؟ ما وضعها التداولي؟ ما المبادئ المحكَّمة في اختيار المترجمين أو المؤلفين؟).
الخطابان الإعلامي والسياسي المواكبان أو اللاحقان للانتفاضات في الأقطار العربية (خطب الرؤساء؛ شعارات المتظاهرين ولافتاتهم ورسومهم؛ البرامج الحوارية ذات الصلة؛ تحليلات الصحف العربية والدولية؛ تعليقات الفاعلين في المنظمات العربية والدولية؛ بيانات الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات الحقوقية؛ الخطاب الساخر المواكب (النكات والأشرطة الهزلية...).
تحليل الخطاب–النص (الإبداعي أو الديني أو التاريخي أو الفلسفي أو التربوي...) قديمه وحديثه بقطع النظر عن جنسه.
حصيلة الترجمة في مبحثي لسانيات النص وتحليل الخطاب: ما الذي تُرجم إلى اللغة العربية وكيف تُرجم (تقويم الأعمال المترجمة وتقييمها)؟
تلك هي المحاور التي نقترحها لأعمال هذه الدورة. والله ولي التوفيق
حررها الأستاذ محمد خطابي
توضيحات تنظيمية:
ستنعقد الندوة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن زهر، أكادير؛
أ- وجوب التزام البحث بمحور من المحاور السبعة أعلاه.
ب- إرسال ملخص البحث (صفحة واحدة): 30 نونبر 2011 .
ج- الإخبار بقبول الملخص: 30 دجنير 2011.
د- تسليم البحث كاملاً مرقوناً (بنظام "وورد" خط Traditional Arabic قياس 16) يوم 15 يونيو/حزيران 2012.
هـ وضع الحواشي في أسفل الصفحة متسلسلة الترقيم.
و- الإخبار بقبول البحث 15 يوليو 2012.
ز- الندوة/المؤتمر أيام 19-24 نونبر 2012.
ح. رسوم المشاركة في المؤتمر 550 يورو.
المراسلة منسق الندوة/ المؤتمر:
nadwah2011@yahoo.fr
استمارة المشاركة في الدورة الثالثة من "مؤتمر لسانيات النص والخطاب"
19-24 نونبر 2012
اسم الباحث ولقبه بالحرفين العربي فاللاتيني:
الجامعة:
الكلية أو المؤسسة:
القسم:
الهاتف (اختياري):
الفاكس (اختياري):
البريد الإلكتروني:
طبيعة المشاركة: مشارك ببحث ( ) أو مستفيد من أشغال المؤتمر ( )
الرجاء وضع علامة (×) أمام اختياركم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* يرجى من السادة الأساتذة الأفاضل إرفاق هذه الاستمارة بملخص البحث وسيرة علمية مركَّزة.
+ تبعث الاستمارة إلى العنوان الآتي: nadwah2011@yahoo.fr
الملـــــخـــص
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اسم الباحث:
البريد الإليكتروني:
عنوان البحث:
المحور:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] نقصد بتحليل الخطاب الحقل المعرفي المسمّى كذلك (على الرغم من التباسات شديدة تنحو بالمفهوم منحى مائعاً لا يكاد ينضبط). على أننا ندرج فيه نظريات الأدب ومناهج تحليله ضماناً لرؤية ليبرالية تؤمن بتفاعل حقول المعرفة في العلوم الإنسانية، واقتراض بعضها من بعض، وانفتاحها بعضها على بعض
السبت، 17 شتنبر 2011
حرب الرمال تتحول إلى عمل روائي يرصد أثار الحرب في المجتمع
حرب الرمال تتحول إلى عمل روائي يرصد أثار الحرب في المجتمع
صبحي فحماوي -
محمد الهجابي روائي عربي مغربي، له عدد من الروايات، منها زمان كأهله 2004، بوح القصبة 2004، موت الفوات 2005، كأنما غفوت 2007، إناث الدار 2011 التي نحن بصددها في هذه القراءة.
أهم شخصيات هذه الرواية من صغار الشباب والصبايا المراهقين، الذين يريدون أن يلعبوا و يتعفرتوا، رغم السنوات العجاف التي يعيشونها مع أفراد المجتمع المغربي العربي إبان سنوات حرب الصحراء الشرقية بين الإخوة ، كما يصفها السارد. والصحراء الشرقية هي الصحراء الواقعة بين المغرب والجزائر، والتي اندلعت بسببها حرب الرمال سنة 1963 بين المغرب والجزائر. وهذه المنطقة اقتطعتها فرنسا إبان العهد الاستعماري من الأراضي المغربية وضمتها إلى مستعمرتها الجزائر، اعتقادا منها أن الجزائر أصبحت جزءا لا يتجزأ منها. وذلك نظرا لغنى هذه المنطقة بالثروات المعدنية.
في هذه الرواية، يلقي الهجابي الضوء بأسلوب واقعي اجتماعي على حرب لم يسبق أن قرأت تصويراً لواقعها بهذه الحيادية والجمالية، في رواية عربية من قبل. وهنا يأتي دور الروائي الملتزم بقضايا وطنه بطريقة فنية مدهشة.
تستحضر الرواية إحدى العائلات المغربية أنموذجاً لها، حيث طالب المدرسة اليافع حميش، ووالدته لالة حليمة، هما أهم شخصين في الرواية، وفي غياب الوالد حُماد في حرب الصحراء، تجد حميش ينقب في المزابل هو وأخوه الصغير حسن وصديقهما كشكوش، ليكتشف أحدهم شيئاً من نثار النحاس وما شاكله، فيبيعه، أو يتحرك في سوق السمك، فيتاجر بأشياء بسيطة، وبهذه النقود القليلة يشاهد فيلماً سينمائيا، أو يشتري شيئاً يشتهيه.
وأما إناث الدار ، وهي عمارة فيها أربع عائلات، فهن الصبايا الصغيرات محجوبة ومينة ومريم وعتيقة، ثلاث منهن بيضاوات أمازيغيات (كنعانيات الأصل العربي. ذلك الأصل غير الإفريقي، الذي تألق أيام هاني بعل أو هنيبال ، وبعل هو إله الكنعانيين).
ويصور السارد الذي نعرف في نهاية الرواية أنه هو الروائي نفسه، شقاوة الشباب الصغار - إذ خلت الدار من الرجال الكبار- وهم يتفتحون على اللعب الجنسي، وكيف يكتشفون أسرار بعضهم الجنسية، كما تقول أغنية فيروز: ودارت بينا الدار، ونحنا أولاد زغار، والهوى جمعنا، وفرقنا الهوى!. وهنا نلاحظ أن الثقافة العربية نسيج وحدها، متلاقحة متكاملة، من الرحابنة الشرقيين، إلى محمد الهجابي الغربي، وأنها كلها ثقافة واحدة.. يقوم حميش بقراءة الرسائل المرسلة من المحاربين في الجبهة، ولربما انخرطت الأمهات في صولات من البكاء الحارق، فيفض الصغار دموعاً بالمقابل، ثم يخرجون فينزوون ل يتعفرتوا باقتراف حماقات الصغار الجنسية البريئة!
[غلاف الرواية]
غلاف الرواية
هذا عن الصغار. أما النساء الكبيرات، الملتزمات في غياب أزواجهن، فلا تعدم وجود من تشذ عن القاعدة، فهذه لالة منانة، زوجة الفقيه السي موحي تديم القعود المشبوه بوصيد الباب الدار البراني، بينما للدار حرمتها التي ينبغي أن تصان، ولها رجالها، حتى وإن غابوا عنها في الجبهة! ولهذا اتفق حميش وأخوه الصغير حسن، وصديقه كشكوش على التربص بمهمتهم الاستخبارية، لاستجلاء أمر لالة منانة، وقص أثرها كلما زايلت الدار! وانهمكوا في متابعة شبح امرأة يدلف نحو درب فرعي، وينمِّس في شراعة باب شبه موارب.. وراحوا يتهامسون في شائعة العثور على زوجات بعض الجنود في بيوت قحاب الباريو ملكَا. الرواية تصور هنا بلغة بسيطة، واقعية، مرارة الحرب، حيث يموت الرجال في المعركة، أو يصابون بجروح بليغة، بينما تتورط بعض النساء في الدعارة، وتجوع العائلات فيبحث أطفالها في الزبالة عما يبيعونه فيتعيشون به! ولا تتوقف بشاعة الحرب عند هذا الحد، فلقد تمت تصفية حسابات مع بلدان عربية، وذلك بقطع علاقات تجارية، وبإبعاد الجزائريين من المغرب، وبإلغاء عقود المعلمين المصريين الذين هم من بلد لم يؤيد المغرب في حربها الصحراوية الشرقية..
يُشعرنا الروائي في عبارات كثيرة بفنه الجميل، وذلك بجعلك تسمع الصوت، وتشاهد الصورة، وتشم الرائحة، فهو يجيد الوصف إذ يقول: تسلق حميش عقبات، وارتقى درجات، فتقطعت أنفاسه، وصار يخنخن ويلهث . وفي قوله: أضوى جسد حليمة في غياب زوجها المحارب، وفاضت عنه كسوته ، سأل حميش بجانب فمه.. ، وهذا التصوير يجعلك تشاهد فم حميش الشقي ساخراً.. كان البخار يمرق من الأفواه والمناخير كمدخنات مصانع.. ، فلا تسمع غير حركات الأفواه وهي تُحشى باللقم السائغة، والشفاه وهي تتلمظ، والأنوف وهي تتنفس بصعوبة , وفي الصفحة 83 يقول: رأس كشكوش المربعة كما علب الشاي الصيني، وأضلاع صدر حميش المتراصة كلوح فرك الغسيل.. .
وتوضح لنا الرواية نظرة بعض الرجال الكبار للنساء، إذ يقول حُماد والد حميش: إن النساء عجماوات، ولا يفقهن من شؤون الدنيا إلا ما يلبي شهواتهن، وهي كثيرة.. وأيده سي العزيز وهو يغادر معه إلى الجبهة أن عقولهن في فروجهن.. .
ويصف لنا محمد الهجابي في إناث الدار طعام المغرب المشهور في العالم كله الكسكس ، الذي يشتمل بالإضافة إلى المفتول على قرع وسلق ولفت وجزر وحمص وسمن وأشلاء لحم، وكيف تتجمع حولها نساء الدار، الصغار والكبار فيقذفونها في أفواههم على شكل كرات مضغوطة.
وفي الصفحة 82 يصف لنا الحمّام المغربي بتفاصيله منذ الدخول وحتى الخروج. فيتذكر حميش حمام النساء الذي كان يذهب إليه مع والدته لالة حليمة وهو صغير، فيشاهد الأبدان البضة الطرية والمسترخية بأثدائها المترنحة كالبقجات، أو المشدودة كالرمان، والأرداف الودقة أو الصقيلة الشهية في حمام النساء.. أما وقد كبر، فصار يذهب وحيداً إلى حمام الرجال...
يعجبك أسلوب الروائي في سرد قصة داخلية لجندي اختطف فتاة وجاء بها إلى البيت، لكنه يعيد سرد القصة بعدة وجهات نظر، على نهج رواية داريل؛ رباعية الإسكندرية ، وفي هذا تنشيط لمخيلة القارئ، واحترام لمشاركته في التفكير مع الروائي كأنه شريك فني للمؤلف.
وفي الرواية نطّلع على نهج العرب المغاربة الذين ينعتون المرأة بـ الدار، إذ يقول المغربي التقليدي: خُلق الرجل ليكون في الخارج، وخُلقت المرأة للدار، وأحياناً ينعت أبو حميش زوجته بـ الدار . سمعه مرة يقول: ستذهب معي الدار إلى السوق.
وفي الرواية بلاغة لغوية جميلة، ومن ذلك: يركب صهوة جنونه صوب السينما.. ، وغيرها كثير، ما يجعلنا نتعرف على روائي عربي مغربي صاعد، يستحق أن يُقرأ له، رغم بعض الهنات التي لا تخلو منها رواية عربية ولا أجنبية، والتي لا مجال لذكرها هنا.
---
تعليق الصورة: جنود مغاربة في حرب 1963
صبحي فحماوي -
محمد الهجابي روائي عربي مغربي، له عدد من الروايات، منها زمان كأهله 2004، بوح القصبة 2004، موت الفوات 2005، كأنما غفوت 2007، إناث الدار 2011 التي نحن بصددها في هذه القراءة.
أهم شخصيات هذه الرواية من صغار الشباب والصبايا المراهقين، الذين يريدون أن يلعبوا و يتعفرتوا، رغم السنوات العجاف التي يعيشونها مع أفراد المجتمع المغربي العربي إبان سنوات حرب الصحراء الشرقية بين الإخوة ، كما يصفها السارد. والصحراء الشرقية هي الصحراء الواقعة بين المغرب والجزائر، والتي اندلعت بسببها حرب الرمال سنة 1963 بين المغرب والجزائر. وهذه المنطقة اقتطعتها فرنسا إبان العهد الاستعماري من الأراضي المغربية وضمتها إلى مستعمرتها الجزائر، اعتقادا منها أن الجزائر أصبحت جزءا لا يتجزأ منها. وذلك نظرا لغنى هذه المنطقة بالثروات المعدنية.
في هذه الرواية، يلقي الهجابي الضوء بأسلوب واقعي اجتماعي على حرب لم يسبق أن قرأت تصويراً لواقعها بهذه الحيادية والجمالية، في رواية عربية من قبل. وهنا يأتي دور الروائي الملتزم بقضايا وطنه بطريقة فنية مدهشة.
تستحضر الرواية إحدى العائلات المغربية أنموذجاً لها، حيث طالب المدرسة اليافع حميش، ووالدته لالة حليمة، هما أهم شخصين في الرواية، وفي غياب الوالد حُماد في حرب الصحراء، تجد حميش ينقب في المزابل هو وأخوه الصغير حسن وصديقهما كشكوش، ليكتشف أحدهم شيئاً من نثار النحاس وما شاكله، فيبيعه، أو يتحرك في سوق السمك، فيتاجر بأشياء بسيطة، وبهذه النقود القليلة يشاهد فيلماً سينمائيا، أو يشتري شيئاً يشتهيه.
وأما إناث الدار ، وهي عمارة فيها أربع عائلات، فهن الصبايا الصغيرات محجوبة ومينة ومريم وعتيقة، ثلاث منهن بيضاوات أمازيغيات (كنعانيات الأصل العربي. ذلك الأصل غير الإفريقي، الذي تألق أيام هاني بعل أو هنيبال ، وبعل هو إله الكنعانيين).
ويصور السارد الذي نعرف في نهاية الرواية أنه هو الروائي نفسه، شقاوة الشباب الصغار - إذ خلت الدار من الرجال الكبار- وهم يتفتحون على اللعب الجنسي، وكيف يكتشفون أسرار بعضهم الجنسية، كما تقول أغنية فيروز: ودارت بينا الدار، ونحنا أولاد زغار، والهوى جمعنا، وفرقنا الهوى!. وهنا نلاحظ أن الثقافة العربية نسيج وحدها، متلاقحة متكاملة، من الرحابنة الشرقيين، إلى محمد الهجابي الغربي، وأنها كلها ثقافة واحدة.. يقوم حميش بقراءة الرسائل المرسلة من المحاربين في الجبهة، ولربما انخرطت الأمهات في صولات من البكاء الحارق، فيفض الصغار دموعاً بالمقابل، ثم يخرجون فينزوون ل يتعفرتوا باقتراف حماقات الصغار الجنسية البريئة!
[غلاف الرواية]
غلاف الرواية
هذا عن الصغار. أما النساء الكبيرات، الملتزمات في غياب أزواجهن، فلا تعدم وجود من تشذ عن القاعدة، فهذه لالة منانة، زوجة الفقيه السي موحي تديم القعود المشبوه بوصيد الباب الدار البراني، بينما للدار حرمتها التي ينبغي أن تصان، ولها رجالها، حتى وإن غابوا عنها في الجبهة! ولهذا اتفق حميش وأخوه الصغير حسن، وصديقه كشكوش على التربص بمهمتهم الاستخبارية، لاستجلاء أمر لالة منانة، وقص أثرها كلما زايلت الدار! وانهمكوا في متابعة شبح امرأة يدلف نحو درب فرعي، وينمِّس في شراعة باب شبه موارب.. وراحوا يتهامسون في شائعة العثور على زوجات بعض الجنود في بيوت قحاب الباريو ملكَا. الرواية تصور هنا بلغة بسيطة، واقعية، مرارة الحرب، حيث يموت الرجال في المعركة، أو يصابون بجروح بليغة، بينما تتورط بعض النساء في الدعارة، وتجوع العائلات فيبحث أطفالها في الزبالة عما يبيعونه فيتعيشون به! ولا تتوقف بشاعة الحرب عند هذا الحد، فلقد تمت تصفية حسابات مع بلدان عربية، وذلك بقطع علاقات تجارية، وبإبعاد الجزائريين من المغرب، وبإلغاء عقود المعلمين المصريين الذين هم من بلد لم يؤيد المغرب في حربها الصحراوية الشرقية..
يُشعرنا الروائي في عبارات كثيرة بفنه الجميل، وذلك بجعلك تسمع الصوت، وتشاهد الصورة، وتشم الرائحة، فهو يجيد الوصف إذ يقول: تسلق حميش عقبات، وارتقى درجات، فتقطعت أنفاسه، وصار يخنخن ويلهث . وفي قوله: أضوى جسد حليمة في غياب زوجها المحارب، وفاضت عنه كسوته ، سأل حميش بجانب فمه.. ، وهذا التصوير يجعلك تشاهد فم حميش الشقي ساخراً.. كان البخار يمرق من الأفواه والمناخير كمدخنات مصانع.. ، فلا تسمع غير حركات الأفواه وهي تُحشى باللقم السائغة، والشفاه وهي تتلمظ، والأنوف وهي تتنفس بصعوبة , وفي الصفحة 83 يقول: رأس كشكوش المربعة كما علب الشاي الصيني، وأضلاع صدر حميش المتراصة كلوح فرك الغسيل.. .
وتوضح لنا الرواية نظرة بعض الرجال الكبار للنساء، إذ يقول حُماد والد حميش: إن النساء عجماوات، ولا يفقهن من شؤون الدنيا إلا ما يلبي شهواتهن، وهي كثيرة.. وأيده سي العزيز وهو يغادر معه إلى الجبهة أن عقولهن في فروجهن.. .
ويصف لنا محمد الهجابي في إناث الدار طعام المغرب المشهور في العالم كله الكسكس ، الذي يشتمل بالإضافة إلى المفتول على قرع وسلق ولفت وجزر وحمص وسمن وأشلاء لحم، وكيف تتجمع حولها نساء الدار، الصغار والكبار فيقذفونها في أفواههم على شكل كرات مضغوطة.
وفي الصفحة 82 يصف لنا الحمّام المغربي بتفاصيله منذ الدخول وحتى الخروج. فيتذكر حميش حمام النساء الذي كان يذهب إليه مع والدته لالة حليمة وهو صغير، فيشاهد الأبدان البضة الطرية والمسترخية بأثدائها المترنحة كالبقجات، أو المشدودة كالرمان، والأرداف الودقة أو الصقيلة الشهية في حمام النساء.. أما وقد كبر، فصار يذهب وحيداً إلى حمام الرجال...
يعجبك أسلوب الروائي في سرد قصة داخلية لجندي اختطف فتاة وجاء بها إلى البيت، لكنه يعيد سرد القصة بعدة وجهات نظر، على نهج رواية داريل؛ رباعية الإسكندرية ، وفي هذا تنشيط لمخيلة القارئ، واحترام لمشاركته في التفكير مع الروائي كأنه شريك فني للمؤلف.
وفي الرواية نطّلع على نهج العرب المغاربة الذين ينعتون المرأة بـ الدار، إذ يقول المغربي التقليدي: خُلق الرجل ليكون في الخارج، وخُلقت المرأة للدار، وأحياناً ينعت أبو حميش زوجته بـ الدار . سمعه مرة يقول: ستذهب معي الدار إلى السوق.
وفي الرواية بلاغة لغوية جميلة، ومن ذلك: يركب صهوة جنونه صوب السينما.. ، وغيرها كثير، ما يجعلنا نتعرف على روائي عربي مغربي صاعد، يستحق أن يُقرأ له، رغم بعض الهنات التي لا تخلو منها رواية عربية ولا أجنبية، والتي لا مجال لذكرها هنا.
---
تعليق الصورة: جنود مغاربة في حرب 1963
الأحد، 4 شتنبر 2011
لغتنا العربية من يعمل على اغتيالها؟
لغتنا العربية من يعمل على اغتيالها؟
محمد اديب السلاوي
-1-قبل عقود من الزمن، أكد علماء اللغة في الجامعات والأكاديميات الغربية، أن حوالي ثلاثة آلاف لغة ولهجة محلية، قد لفظت أنفاسها بسبب تضاؤل عدد الناطقين بها... وقبل ذلك، أكدت أبحاث العديد من فقهاء اللغة في العالم الحديث، أن اللغات كالكائنات الحية الأخرى، تنشأ وتتطور وتزدهر ثم تشيخ وتحنو وتموت... وأن اللغات أيضا تنقرض لذات العوامل التي تؤدي إلى انقراض أنواع الكائنات الحية الأخرى، وأهمها انعدام الصيانة، أو بسبب الحروب والكوارث ذات التأثير المدمر، أو بسبب إهمال المجتمعات وتهميشها للغاتها الأم، وانحياز الأفراد والجماعات للغات أجنبية على حساب اللغات الأم.
وخارج هذه الأسباب، فإن اندثار اللغات وموتها، تظل في التاريخ البشري، ظاهرة طبيعية لم تتوقف على مدار تاريخ الحضارة البشرية، غير أن المثير للقلق في نظر باحث عربي ، هو تزايد معدل الاندثار بالآونة الأخيرة، إذ يصل التشاؤم ببعض المراقبين إلى حد أنهم يتوقعون اختفاء/ موت ما بين 3400 و6120 لغة ولهجة مع نهاية القرن الحالي/ الواحد والعشرين، أي بمعدل لغة واحدة كل أسبوعين. وهو ما يعني خسارة اللغوبين والانتربولوجيين والأتريين وعلماء التاريخ، في مصدر غني للمعلومات التي تعين على دراسة وتوثيق تاريخ الشعوب المتحدثة بهذه اللغات واللهجات، ذلك أن ضياع اللغة، يعني ضياع التاريخ برمته والعكس صحيح، بل أكثر من ذلك يعني اختفاء هذه اللغات، سقوط جانب أساسي من الميراث الثقافي للبشرية.
-2-
نأتي بهذا المدخل، بمناسبة الحديث المتنامي في الإعلام وفي المحافل العلمية/ الأكاديمية، عن الحالة المرضية للغة الضاد/ اللغة العربية، والتحديات التي تواجهها راهنا في المدرسة والجامعة والإدارة، وفي مرافق الإنتاج الاقتصادي والإبداعي، وفي المجتمع، مما يجعلها في أزمة حقيقية... والأزمة كما يفسرها القاموس العربي، هي الشدة والضيق، ولذلك يرى العديد من الباحثين والخبراء، داخل الفضاء العربي وخارجه، أن اللغة العربية اليوم، تخوض معركة عسيرة من أجل البقاء كلغة. وهذه المعركة تتجلي ملامحها بصفة لافتة، في نظر العديد من المفكرين العرب، في ثلاثة مجالات مركزية وإستراتيجية
.
1) المجال التربوي والتعليمي، بكل فضاءاته وبمختلف مستوياته وأصنافه، وهو المجال الذي يضطلع بوظيفة تكوين المعلمين والمتعلمين. فالمؤسسات التربوية رغم هيمنة سلطة الوسائط الإلكترونية والقنوات الفضائية، مازالت المؤثر الأبرز في المعرفة والثقافة وفي التكوين العام، ولكن المعضلة، أن مؤسسات التربية والتعليم، وكذلك الجامعات، وأن بدت ظاهريا حديثة ومتطورة في أساليب التدريس –في بعض الأقطار العربية- فإن لها مطبات وسلبيات خاصة في مجال تعليم اللغة العربية وكيفية أدائها وتوظيفها، وهو ما يعني في نظر العديد من المفكرين، أن التعليم اللغوي/ العربي، لا يرقى إلى آفاق التحديات والاحتياجات المعاصرة التي تواجه هذه اللغة، وهو ما يعني أيضا في المحصلة النهائية، أن حركة التحديث ونشاط التنمية في المجتمع المحكوم بهذه اللغة، لن يبلغ المكانة المنشودة إذا ما كانت الوضعية التعليمية في المدارس والجامعات العربية، لا ترقى إلى مستويات التعليم العصري بأروبا وأمريكا وآسيا، ذلك لأن ما بلغه التعليم بعالم اليوم، من تقدم اقتصادي، هو نتيجة حتمية لرقي المنتوج التعليمي في هذا العالم.
ما يزيد في أزمة اللغة العربية بالحقل التربوي التعليمي، ليس فقط عدم استيعابها داخل المؤسسات التربوية، للوسائط الإلكترونية الحديثة، ولكن أيضا هيمنة اللغات الأجنبية (خاصة الإنجليزية والفرنسية والألمانية والأسبانية) على الحقول التعليمية والمعارف الحديثة، داخل هذه المؤسسات، وتهميش اللغة الأم في البرامج والمناهج العلمية عامة، بدعوى عدم قدرتها على التواصل العلمي مع هذه البرامج والمناهج!!
2) في المجال الإعلامي: بكل فضاءاته ومؤسساته (المكتوبة والمسموعة والمرئية والإلكترونية) تعاني لغة الضاد من سلبيات قاتلة: فمن مساوئ النطق، إلى مساوئ التحرير، ومن مساوئ استعمال المصطلح إلى مساوئ استعمال اللهجات المحلية بدعوى ملاءمتها مع برامج الحياة اليومية، أو بدعوى "تواصل أحسن" مع القراء والمستمعين والنظارة، حيث تتقهقر اللغة الفصحى، وتتحول إلى مستنقع لا علاقة له باللغة، ولا بمفاهيمها الجمالية والعلمية.
إن استعمال اللهجات العامية واللغات الأجنبية في المجال الإعلامي العربي، وإن كان أمرا عاديا بالنسبة للعديد من الإعلاميين، ولا يثير أية مشكلة لدى الكثير منهم، فإنه بالنسبة للعديد من رجال الفكر العربي، يعد إشكالية مترابطة مع التحديات الحضارية الراهنة، فإذا ما ولدت العولمة صراعا بين الحضارات، وتنافسا شرسا على البقاء والهيمنة العالمية ثقافيا وسياسيا واقتصاديا، ذلك لأن اللغة هي في صميم هذا الصراع، لذلك فإن العاميات واللغات الأجنبية في نظر العيد من المفكرين والفلاسفة، هو ما يهدد بقاء اللغة العربية، بل هو العدو الثقافي الأشرس، لأنها تنتصب حليفا موضوعيا للكونية الغازية .
3) في المجال السياسي، بكل مجالاته: الأحزاب والمنظمات والحكومات ورؤساء الدول، كل من موقعه يتحمل مسؤولية التدهور الذي تعرفه اللغة العربية في التعليم والإدارة والإعلام والمقاولة والمؤسسات البنكية والصناعية وكل مناحي الحياة. فالمجال السياسي بكل مكوناته، هو مصدر القوانين والتشريعات والقرارات، وبالتالي هو المسؤول الأول والأخير عن حماية اللغة القومية أمام المخاطر التي تهددها، وباعتبارها هي حامل الهوية الثقافية وضامن سيرورة الذات الحضارية للأمة، فإن أي مساس بهذه اللغة، التي هي لغة الوحي/ لغة القرآن الكريم/ لغة الوجود الحضاري للأمة، يتحول -سياسيا- إلى خيانة عظمى، في الأنظمة الشرعية، كما في القوانين الوضعية.
هل يعني ذلك أن اللغة العربية اليوم في انعطافة تاريخية..؟ نعم، إنها في أزمة تترابط حولها كل أدوات القتل: ضعف في التعليم/ ضعف في الإعلام/... وضعف في السياسية؟
في شهادات عديدة لفقهاء اللغة، ورجالات الفكر والتربية والإعلام، أن اللغة العربية في الزمن العربي الراهن، تخسر يوما بعد يوم مكانتها في المؤسسات التربوية والتعليمية والتكوينية والإعلامية والاقتصادية والإدارية وغيرها، في العديد من الأقطار العربية/ شرقية وغربية، حيث لم تصل العديد منها، في مناهجها التربوية إلى تدريس العلوم/ مختلف العلوم باللغة الأم، بل أصبحت اللغات الأجنبية (الإستعمارية) لغات رسمية أو شبه رسمية في الإدارة والمعاملات والتدريس الجامعي، وحتى في التواصل الاجتماعي "لطبقتها الوسطى" ولغالبية نخبها السياسية، حتى وإن كانت هذه اللغة رسمية في وثيقة الدستور، وهو ما يعني بوضوح إصابة اللغة الأم بالسكتة الدماغية.
-3-
مغربيا، والمغرب لا ينفصل عن الوطن العربي في المسألة اللغوية، ما هي حصيلة ضعف المؤسسة السياسية في تعاملها مع مخطط التهميش اللغوي والثقافي، والذي أذى إلى فرنسة التعليم من بدايته إلى نهايته، وفرنسة الإدارة في مستوياتها وأصنافها المختلفة، وفرنسة الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي والإلكتروني... وفرنسة جانب هام من المجتمع المغربي؟
إن القرار السياسي، عرض اللغة العربية في المملكة المغربية إلى اهتزازات متواصلة، منذ عهد الحماية (الفرنسية/ الاسبانية/ 1912-1956) وحتى اليوم، نذكر من هذه الاهتزازات، بعض المحطات الشهيرة:
1) الظهير البربري، وقد راهن واضعوه في تلاثينيات القرن الماضي، على الفصل بين العرب والبربر في المجتمع المغربي، وإعطاء اللهجات الأمازيغية وضعا خاصا إلى جانب اللغة الفرنسية في التعليم بالمناطق البربرية.
2) النظام التعليمي الرسمي، وقد راهنت عليه إدارة الحماية (الفرنسية في الجنوب والإسبانية في الشمال) لطمس الهوية العربية الإسلامية للبلاد والعباد.
3) تشجيع وتركيز الفسيفساء اللغوية، المتعددة الأنماط والأشكال على الخريطة الوطنية (الدارجة/ الأمازيغية/ الفصحى/ الفرنسية/ الأسبانية) بشتى الوسائل والإمكانات، من أجل محاصرة لغة الضاد وإضعافها اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا.
4) فشل السياسات التعليمية في عهد الاستقلال، في معالجة هذا التلوث اللغوي لإعادة اللغة العربية إلى وضعها كلغة رسمية في التعليم والإدارة والحياة العامة، وجعل التعريب مبدأ أساسيا من مبادئ "مذهبية التعليم" التي تضمنت في سنوات الاستقلال الأولى، قيم المواطنة والهوية.
يعني ذلك بوضوح، أن القرار السياسي كان منذ البداية وراء فشل المدرسة المغربية، في فرض اللغة العربية الأم في أطوار التعليم المختلفة (من الإبتدائي إلى الجامعي) ليفتح المجال على مصراعيه لدعاة التهجين اللغوي والثقافي وتذويب الهوية والذات، ليخفق في تأهيل وخلق المواطن المغربي المسلح بقوة المعرفة وكفاءة العلم ويقظة الضمير وقوامة الأخلاق، فانتهت هذه المدرسة، بضخامتها الكمية، وبغلافها المالي المفزع، إلى مؤسسة لإنتاج العاطلين وأنصاف المتعلمين والأميين والضائعين والمتمزقين والفقراء واليائسين والمحبطين، بلغة أساسية هي الفرنسية.
والغريب في الأمر، ان القائمين على المدرسة المغربية، لم يكتفوا بجعل اللغة الفرنسية، لغة للعلوم والمعارف التي تؤدي بالمغاربة في اعتقادهم إلى العولمة، ولكنهم أكثر من ذلك جعلوها متنافسة في كل مناحي الحياة، مع اللغة الأم/ أي اللغة الرسمية، لتصبح مسيطرة بقوة على التعليم والإدارة والمال والاقتصاد والسياسة تحت الحماية الرسمية للسلطات التشريعية... والسلطات التنفيذية... ولتصبح اللغة العربية في المقابل هجينة ومستلبة وفاشلة.
في قراءة لسياسي مغربي لهذه الإشكالية/ المعضلة، أن هذا الضعف، أذى إضافة إلى زلزلة وحدة الثقافة الوطنية، إلى خلق ازدواجية، هي مجرد تغطية للاندماج والذوبان في لغة وثقافة أخرى، وإلى تكوين مجتمعين ونمطين من الفكر ومن القيم في الحياة... حيث تعمقت التبعية الثقافية واللغوية، وترسخ الاستيلاب الفكري، وتخلخلت تبعا لذلك البنية الروحية والهوية الوطنية الذاتية للمجتمع المغربي، وتزلزلت قيمه بشدة، لا أحد يدري إلى أين ستقود المغرب في نهاية المطاف.
-4-
الصحفي والأديب المغربي ذ عبد الجبار السميحي، مسته لوعة هذا الزلزال، فأعلن بصراحته المعهودة، "أن الكلام لم يعد سرا، فاللغة العربية أصبحت في مغرب اليوم تحتضر، ف"المسيد" سيبقى مجرد فلكلور يذكر بالمغرب التقليدي القديم، وستبقى المدرسة الإبتدائية والأطفال يتصايحون في ساحاتها المتربة، وستبقى كليات الآداب تعلم الشعر الجاهلي والعباسي والأندلسي، وتعلم الجرجاني والجاحظ وأغاني الاصفهاني وديوان الحماسة والجمهرة، وتخرج لنا دفعات تلو الأخرى من العاطلين، أما خارج هذه الأسوار فلا موقع ولا مكان للغة العربية، إنها لم تمت غيظا، وإنما ستموت انتحارا بالتأكيد، إذ نرى لا مكان لها في كل أطراف المدينة، في الوزارة والإدارة، في البنك والمطعم والفندق والمسبح، والمرقص وصالون الحلاقة وصالون اللقاءات الحميمية. إنها (أي اللغة العربية) أصبحت مثل امرأة تعسة، أتعبها الحمل والرضاع وشاخت قبل الوقت، فخرج رجلها يمارس حياته في لغة تصون حيويتها، يغار عليها الأهل، ولا يحميها القرار السياسي" .
السؤال هنا: هل علينا القبول بهذا الواقع..؟
هل نكتفي بإقامة جنازة لائقة بتاريخ هذه اللغة، ونترحم عليها، وندعو لجثمانها بالراحة والرحمة..؟
أم علينا أن نسأل أنفسنا بهدوء، لمن تعود مسؤولية اغتيال هذه اللغة..؟ ومن المستفيد من اغتيالها..؟ وهل في الإمكان عودة فاعليتها إلى الحياة..؟
نعم، اللغة العربية، وبفعل المؤامرات المتراكمة على حياتها من الداخل والخارج، أصبحت تواجه تحديات مصيرية، خاصة في المناخ الدولي الراهن، الذي يحتم عليها –إن أرادات الحياة- أن ترتقي إلى مستوى اللغات المهيمنة في المجالات العلمية والثقافية والمعرفية، وأن ترتقي بمكانتها وطرق تدريسها في الفضاءات التعليمية، وهو ما يحتم على أصحاب القرار السياسي، مراجعة مواقفهم من الإشكالية اللغوية على اعتبار أن التحديث والتنمية والولوج إلى مجتمع المعرفة، لا يمكن أن يكون خارج اللغة الهوية/ اللغة الأم... وهو ما يحتم على المثقفين والإعلاميين والسياسيين، أن ينتفضوا ضد الوضع السلبي الذي فرض على هذه اللغة، ضدا في هويتها، فهي (أي اللغة العربية) حامل لهويتنا الثقافية ولسيرورتنا الحضارية، لأجل ذلك يتحمل الجميع مسؤولية انقادها من السقوط الذي يراد لها ضدا في التاريخ العربي الإسلامي... وضدا في جغرافيته المترامية الأطراف.
إفادات وإحالات
[1] - رجب سعد السيد/ اللغات أيضا تنقرض (ميدل اسيت اوئلاين) جريدة الصباح (مغربية) 23 يونيه 2004 ص: 12.
[1] - بمناسبة احتفال مجلة العربي (الكويت) بمرور نصف قرن على صدورها (1958-2008) نظمت ندوة شارك بها نخبة من المفكرين العرب حول مسألة اللغة العربية والتحديات الراهنة تم نشر مداخلاتها في كتاب العربي.
[1] - المفكر عبد السلام المسدي (ندوة مجلة العربي الكويت) بمناسبة مرور نصف قرن على صدورها/ كتاب العربي 2008.
[1] - محمد الحبيب الفرقاني/ في محنة اللغة ومأساة الثقافة، جريدة الاتحاد الاشتراكي (يونيه 1994).
[1] - عبد الجبار السحيمي/ موت اللغة العربية، جريدة العلم 14 مارس 1999 ص: 12.
المصدر:
http://lakome.com/%D8%B1%D8%A3%D9%8A/49-%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A/7904-2011-09-02.html
السبت، 3 شتنبر 2011
ياعلي ..سلمت يداك….
ياعلي ..سلمت يداك….
اعلاء الأسوانى
…
عزيزي القاريء .اذا كنت حتى الان لم تتعرف الى فن " على فرزات " فأنت مقصر في حق نفسك …
الفنان السوري على فرزات واحد من أهم رسامي الكاريكاتير في العالم العربي وله حضور بارز على المستوى العالمي .
كنت أفخر كانسان عربي وأنا أطالع رسوم على فرزات في كبريات الصحف العالمية مثل الجارديان ولوموند ..
ولد على فرزات في مدينة حماة عام 1951 وظهرت موهبته الخارقة منذ الطفولة وفي سن الثانية عشرة أرسل رسما كاريكاتوريا الى صحيفة الأيام السورية ففوجيء في الأسبوع التالى برسمه منشورا في الصفحة الأولى وتلقى خطاب شكر وتقدير من رئيس التحرير الذى لم يكن يتخيل ان الفنان صاحب الرسم طفل صغير .
على مدى سنوات بفضل جهده واخلاصه للفن استطاع على فرزات أن يطور موهبته حتى حفر اسمه وسط عمالقة الكاريكاتير العربي أمثال صلاح جاهين وحجازي وناجي العلي ومصطفى حسين وطوغان وغيرهم ..
يعتقد فرزات أن رسام الكاريكاتير يجب أن يتمتع بموهبة السخرية قبل القدرة على الرسم . وهذه حقيقة لأن فن الكاريكاتير يعتمد على اظهار التناقض بين ماهو كائن وما يجب أن يكون ،
ولأن الحقيقة واضحة في ذهن فرزات فان رسومه دائما موجزة مقتصدة صادقة مستقيمة تخلو من الثرثرة والمواربة والتأنق الفارغ . يستطيع فرزات ببساطة مدهشة أن يختزل العالم في رسم يجعلنا نفكر ونحس بالقبح الذى يحيط بنا ونتوق الى جمال الحق والعدل .
رسوم فرزات تصيب المعنى مباشرة وكأنه يرسم بمسدس يصوبه بدقة ويضغط الزناد فتنطلق الرصاصة الى الهدف تماما . تضعك رسوم على فرزات أمام الحقيقة العارية وجها لوجه . لا أكثر ولا أقل ..
ليس الكاريكاتير بالنسبة الى فرزات مجرد فن ممتع ولايهدف أبدا الى التسلية والاضحاك .
الكاريكاتير سلاح بالغ الحساسية والفعالية في معركة الانسانية ..
قضية فرزات الأولى هي الحرية وهو يدافع عن حق الانسان وكرامته مهما تكن العواقب ومهما يكن الثمن . كان بامكان هذا الفنان العالمي أن يعيش في باريس أو لندن معززا مكرما ليكون مناضلا شهيرا آمنا في المهجر كما يفعل كثيرون لكنه أصر على البقاء في الوطن وقال ببساطة انه لا يفهم كيف يستطيع أن يرسم الناس وهو يعيش بعيدا عنهم .
كان بامكان على فرزات أن يتولى منصب وزير الثقافة في سوريا منذ فترة طويلة لو أراد .
لم يكن مطلوبا منه أن ينافق كثيرا ، كان المطلوب فقط أن يسكت على الظلم والقمع .
أن يتكلم في حدود المسموح ، كان المطلوب أن يرسم وفقا لحسابات وموائمات تجعل رسومه تعالج الموضوعات المتفق عليها ، كان مطلوبا منه أن يقول نصف الحقيقة لكن على فرزات يؤمن أن الحقيقة يجب أن تكون كاملة وأن نصف الحقيقة دجل وتزييف .
الغريب أن صداقة حقيقية ربطت يوما ما بين على فرزات وبشار الأسد . كان بشار عندئذ ابنا لرئيس الجمهورية يدرس طب العيون في لندن وكان محبا للفنون فبدأ يتردد على معارض فرزات وأعجب بأعماله ونشأت بينهما صداقة جعلت فرزات يستقبل بشارا في منزله .
لعل بشار قبل أن يتولى السلطة كان متحمسا لاجراء اصلاحات ديمقراطية حقيقية في سوريا ، ولعل ذلك ما دفع النظام السورى في بداية تولي بشار للسلطة الى السماح لعلى فرزات باصدار مجلته الشهيرة " الدومرى " وكانت أول مجلة خاصة في سوريا منذ الستينيات .
( الدومرى شخص يحمل فانوسا كانت السلطات العثمانية تعهد اليه باضاءة الشوارع ليلا أمام المارة قبل دخول الكهرباء في سوريا ) كانت مجلة الدومرى ظاهرة فريدة من نوعها أولا لأنها بسخريتها اللاذعة في المقالات والرسوم كانت أشبه بمجلة البطة المقيدة
"LE CANARD ENCHAINE"
الفرنسية الشهيرة وثانيا لأنها اعتمدت على التصريح بدلا من التلميح وتميزت بنقد صريح للاستبداد والفساد وثالثا لأنها بامكانات متواضعة استطاعت أن تحقق معدلات توزيع ضخمة لم تعرفها قط الصحف الحكومية السورية التى ينفق عليها حزب البعث الملايين وتخرج في النهاية مجرد نشرات دعائية كاذبة وسخيفة لا يقرأها أحد.
تحمل فرزات كل أنواع المضايقات والمطاردات من السلطة وظل يصدر مجلة الدومري بغير أن يحنى رأسه أو يهادن أو يعقد صفقات مع النظام . شيئا فشيئا تحولت مجلة الدومرى الى مشكلة حقيقية لنظام البعث ومخابراته حتى أنهم لم يجدوا في النهاية مفرا من اغلاقها والغاء ترخيصها .
على أن المناضل الفنان على فرزات لايعرف اليأس واذا كان نظام البعث قد أغلق مجلته فقد اكتشف رحابة عالم الانترنت فأنشأ موقعا اليكترونيا باسمه لينشر فيه رسومه التى ما أن تصدر حتى تتحول الى حديث السوريين .
غضب بشار الأسد بشدة على صديقه السابق وصرح مرة :
ــ على فرزات كان صديقي لكنه طعننى في الظهر
هكذا تحول بشار طبيب العيون الى مجرد حاكم مستبد آخر يعتبر الدفاع عن الحق طعنة في الظهر وهو شأن الحكام المستبدين لا يفهم الصداقة الا باعتبارها تبعية وولاء مطلقا بل انه يعتبر نفسه هو الوطن بلازيادة ولانقصان .
فمن يؤيده وينافقه يحب الوطن ومن يدافع عن حقوق الناس في نظره خائن وعميل ومن يطالب بالحرية في نظره متآمر ينفذ أجندات أجنبية . الغريب هنا التشابه الذى يصل الى التطابق بين تفكير بشار و مبارك وعلى صالح وبن على وكل المستبدين …
نفس الأكاذيب ونفس الاجرام ونفس التخلى عن المبادىء والأخلاق جميعا من أجل الاحتفاظ بالسلطة بأية طريقة وأى ثمن .
هذا التطابق بين المستبدين وصفه الكاتب الاسباني الكبير جوي تيسوللو عندما قال:
ــ اذا عرفت ديكتاتورا واحدا فقد عرفت كل الحكام المستبدين لأنهم جميعا واحد .
.
.
.
مع نشوب الثورة السورية والقمع الوحشي الذى مارسه النظام السورى على مواطنيه العزل الأبرياء لمجرد أنهم طالبوا ببعض حقوقهم الانسانية لم يكن ممكنا لعلى فرزات أن يقف مكتوف اليدين فامتشق سلاحه وأبدع رسوما أظنها ستظل خالدة في تاريخ الفن العربي .
فها نحن نرى جنديا ضخما مسلحا يمثل السلطة السورية يتأهب لاطلاق النار على معتقل معصوب العينين على أن الاثنين العسكري والضحية واقفان على طرفي خشبة رفيعة ستسقط بهما لو اعترتها أدنى هزة ..
وعندما يعلن بشار الأسد الغاء قانون الطواري ء يرسم فرزات ضابطا ضخما يمثل السلطة يظهر ظله الكبير على الحائط ونرى بشار الأسد يحاول طلاء الحائط لاخفاء الظل بينما الأصل موجود .
يستمر القمع الوحشي للثورة حتى يسقط أكثر من ألفي شهيد بالاضافة الى آلاف المصابين والمعتقلين لكن نظام بشار الأسد يستمر في الكذب ويعقد مؤتمرات لاقرار اصلاحات زائفة شكلية يحاول أن يخدع بها الشعب عندئذ يرسم فرزات شخصا جالسا على مرحاض يقضى حاجته بينما يسحب ورق تواليت مكتوب عليها توصيات المؤتمر ..
مع اصرار السوريين على الحرية وانتشار الثورة في كل أنحاء سوريا ارتكب أفراد الأمن والبلطجية التابعون للنظام المزيد من الجرائم البشعة فراحوا يقتحمون المساجد ويقتلون المصلين بالرصاص الحى ثم يظهر مغنى شعبي اسمه ابراهيم قاشوش فيشارك في المظاهرات ويرتجل الأغنيات التى تطالب بشارا بالرحيل ،
بعد أيام قليلة يتم اختطاف قاشوش بواسطة بلطجية النظام الذين يقتلونه ثم يقومون بانتزاع حنجرته بوحشية ويلقون بجثته على قارعة الطريق ليجدها الناس منزوعة الحنجرة فتكون عبرة لكل من يجرؤ على مطالبة بشار الأسد بالتنحى عن السلطة .
على أن وحشية النظام لم تزد السوريين الا اصرارا على الثورة وقد وقف معهم في الصف الأول الفنان على فرزات الذي واصل بشجاعة نادرة اطلاق قذائفه ضد الاستبداد . هنا كان لابد من التنكيل به واخماد صوته بأية طريقة ..
يوم الخميس الماضى انتهى على فرزات من عمله ثم استقل سيارته الخاصة عائدا من مكتبه الى بيته عندما لاحقته سيارة بيضاء وظلت تضيق الطريق عليه حتى تمكنت من ايقافه ونزل منها أربعة بلطجية ضخام أخرجوه بالقوة من سيارته ثم اعتدوا عليه بوحشية ،
ضربوه حتى أغرقت دماؤه الزكية ملابسه وسالت على الأرض وقد ركزوا في اعتدائهم على دماغه ويديه . ضربوه على رأسه حتى أصيب بارتجاج في المخ وكسروا أصابع يديه حتى تهشمت تماما . ان هذا الاعتداء الهمجي يحمل المعنى كاملا .
النظام السوري المدجج بكل الاسلحة الذى قتل الآلاف من أبناء شعبه بينما لم يطلق رصاصة واحدة على اسرائيل منذ أربعين عاما .
هذا النظام بالرغم من آلة قمعه الجبارة لم يعد بمقدوره أن يتحمل فنانا نحيلا رقيقا ليس لديه الا فنه وريشته . لقد ضربوه على رأسه وهشموا يديه لأنهم يخافون من الحقيقة التى يصنعها في رسومه البديعة ..
في يوم عيد الفطر المبارك بدلا من أن يكون الفنان الكبير على فرزات في بيته وسط أهله ومحبيه فانه يرقد الآن وحيدا في المستشفى وقد امتلأ جسده بالجروح و تهشمت أصابعه السحرية التى طالما أبدع بها رسوما ستظل دائما في أذهاننا وقلوبنا ..
أكتب هذه الكلمات وأتمنى أن تصل الى الفنان على فرزات حتى يعلم كم نحبه نحن المصريين ونحب سوريا كلها والى أى مدى نحس في مصر بمعاناة أهلنا في سوريا ..ان حالتنا نحن المصريين ليست على مايرام فبعد أن نجحنا في خلع حسني مبارك فوجئنا للأسف بأن نظام مبارك لازال يحكم ولم يسقط بعد وبالرغم من ظروف مصر المضطربة الا اننا لم ننس أشقاءنا في سوريا لحظة واحدة .
أدعوك ياعزيزي القارىء الى الدخول الى موقع على فرزات على الانترنت حتى تشاهد رسومه الرائعة وتدرك أى فنان عالمى هو وتدرك أيضا أية خطيئة ارتكبها بشار الأسد المسئول الأول عن جريمة الاعتداء الوحشي على واحد من أهم الفنانين في العالم العربي ..
يا على فرزات .. أنت فرد لكنك تمثل في ميزان الرجال أمة . لقد دفعت ثمن شرفك وشجاعتك في بلد يحكمه نظام مستبد جائر . لقد ارتكبوا جريمتهم بالاعتداء عليك لأنهم يخافون منك . انهم يملكون آلة القمع الجبارة وأنت لاتملك الا ريشتك لكنك أقوى منهم لأنك تمثل الحقيقة وهم يمثلون الزيف والفساد .
أنت المستقبل ياعلى وهم الماضي المظلم .أنت قادم ياعلى لامحالة وهم ذاهبون الى مكانهم المستحق في مزبلة التاريخ . لقد انتهى نظام بشار الأسد ولم يتبق منه الا عصا القمع ولسوف تنكسر قريبا وتحصل سوريا على الحرية …
صديقي على فرزات .. سلمت يداك
المصدر:
http://alaaalaswany.maktoobblog.com/1621585/%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D9%88%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%8A%D8%A7%D8%B9%D9%84%D9%8A-%D8%B3%D9%84%D9%85%D8%AA-%D9%8A%D8%AF%D8%A7%D9%83/2-2/
الخميس، 1 شتنبر 2011
عبد الفتاح الفاكهاني هكذا عرفناه..
عبد الفتاح الفاكهاني هكذا عرفناه...

إدريس ولد القابلة
هدف واحد ظل يشغل بال الفقيد، إنه تغيير هذا العالم الذي لم
يعجبه يوما. وبرحيله على حين غرة، فقدت ساحة الكلمة الحرة الملتزمة
والمسؤولة أحد فرسانها، بعد أن صارع الموت ردحا من الزمن في صمت وشجاعة
وهدوء ورزانة.
لقد ظل الفقيد عبد الفتاح الفاكهاني من طينة المناضلين العاملين في السر الرافضين للظهور، مدافعا على امتداد أكثر من ثلاثة عقود عن كرامة المواطن وحقوق الإنسان في كل الجبهات، ومخلصا دائما للمبادئ والأفكار والمواقف التي اعتقل من أجلها.. ناضل كقيادي ضمن الحركة الماركيسية اللينينية (منظمة "إلى الأمام") ولم يوفر جهدا لتوحيدها.. وكنقابي وفاعل جمعوي وككاتب وشاعر.. صحفي.. وموسيقي.. لم يسجل عليه يوما أنه طمع في امتياز أو حظوة رغم أنه كان لكل مساندة موضوعية مستحقة فقير.. حرص حرصا شديدا على نظافة ونقاء مساره، متشددا في الدفاع عن الديمقراطية والتغيير من أجل نصرة الحرية وكرامة الإنسان.. لذلك إنه فقيد الجميع، فقيد كل التواقين إلى تغيير حقيقي لصالح الإنسان وعيشه الكريم.
برحيله فقدت سماء الكلمة الحرة والالتزام النضالي النظيف أحد نجومها.. وهو الإنسان الذي عرف كيف يواجه الحياة بتعقيداتها المحبطة ودسائسها التافهة، بصمت وأنفة.. لقد أحب وطنه، حبا خاصا، بطريقته، وشكل هذا الحب الخاص المعين الذي كان يغترف منه الوفير من قوة صموده المادي والمعنوي.
كان أقل كلاما عن باقي رفاق دربه لكنه أكثر تحركا على أرض الواقع.. كان يولي الأولوية لـ "البراكسيس" أكثر من "الهضرة" رغم أنه كان خطيبا ممتازا.. تميز بعتاده النضالي، النظرية الصلبة.. ظل "جلموديا" في هذا المضمار.. في انتخابات "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب"، حينما كان يمثل، وقتئذ "الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين" لم يدق طعم النوم أربعة ليال متتالية بشهادة إبراهيم الكازوزي أحد رفاقه، وذلك لحراسة صندوق التصويت قبل فتحه ومعاينة محتواه خلال المؤتمر الرابع عشر.
كان أحد أبرز خطباء "جبهة الطلبة التقدميين" بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، ورفيق الدراسة للراحل إدريس بنزكري في نفس الشعبة "الآداب الفرنسية". يثقن الفرنسية والعربية، كان، محفوظا في عيون رفاقه على درب الكفاح والنضال منذ 1968، مكتبة متنقلة وقاموسا متحركا.
من آخر كلماته – حسب الذين رافقوه عند احتضاره - "أنا فرحان.. أنا سعيد" ويحق له فعلا أن يكون كذلك.. لقد ظل مشواره نظيفا حتى آخر رمق في حياته، ولم يندم على أي لحظة من لحظات مشواره رغم رداءة العالم الذي عاش فيه.
ابتعد عن "السياسة" لكنه لم يتنكر لقناعاته.. بقي الفاكهاني الذي عرفناه منذ فجر سبعينات القرن الماضي.
مات عبد الفتاح الفاكهاني العازف الماهر على الآلات الوترية، إذ كان صاحب حس موسيقي رهيف.. بمعية بعض رفاقه في السجن المركزي بالقنيطرة يخفف على مجموعتي حي "ألف 1" و"ألف 2" وطأة الاعتقال وفقدان الحرية، يحلق بهم في بهو ساحة الفسحة عبر أغاني ناس الغيوان وجيل جيلالة بلكنته المراكشية الخاصة.. في البداية اكتفى بالاعتماد على القليل المتوفر لتشكيل فرقة موسيقية خلف الأسوار، سرعان ما تألقت مجموعته بعد أن سمحت إدارة السجن بإدخال بعض الآلات الموسيقية، وبعد التقليد جاءت مرحلة البحث عن تأليف أغاني ملتزمة خاصة.. كان الأمر سهلا على الفاكهاني الشاعر الذي برز في بداية الثمانينات من قاع السجن المركزي بالقنيطرة مبدعا متألقا.
سابقة أخرى، يتذكرها أحد زملائه بالسجن، الفقيد عبد الفتاح الفاكهاني كان أول من تكلم عبر الهاتف من داخل السجن ضمن مجموعته، عندما أخبر بعض رفاقه من لجنة المفاوضات المعزولين بسجن تازة وعين قادوس بفاس لفك الإضراب عن الطعام، ولم يكن أحسن من عبد الفتاح الفاكهاني للقيام بهذه المهمة اعتبارا لصوته الجهوري، ولسهولة التعرف عليه، سيما وأنه كان يبدأ كلامه بمقدمة لا يمكن أن تصدر إلا عنه.
خلال محاكمة مجموعته كانت سيارات الأمن تأتي باكرا إلى سجن "عين بورجة" لنقل المعتقلين إلى المحكمة، وحالما تغادر الباب الرئيسي، ينطلق صوت عبد الفتاح الفاكهاني.. همهمة تتصاعد رويدا رويدا منشدا نشيد الثوار..
"رمز الإنسان ثائرون
لم يعد يقبل الهوان
إذ دوّت صرخة الضمير
إيمانه يسدد خطاه
شمس الحقيقة هداه
نحو الأفق الأحمر يسير [...]".
وعندما يصل إلى "اللازمة" يكون الجميع قد شارك الفقيد في الإنشاد، لينطلق كل راكبي السيارة: "[..] لتكسير قيد العبودية
وأنياب الفقر الوحشية
يهب الثوار كلهيب النار".
فلتشملك رحمة الله.
لقد ظل الفقيد عبد الفتاح الفاكهاني من طينة المناضلين العاملين في السر الرافضين للظهور، مدافعا على امتداد أكثر من ثلاثة عقود عن كرامة المواطن وحقوق الإنسان في كل الجبهات، ومخلصا دائما للمبادئ والأفكار والمواقف التي اعتقل من أجلها.. ناضل كقيادي ضمن الحركة الماركيسية اللينينية (منظمة "إلى الأمام") ولم يوفر جهدا لتوحيدها.. وكنقابي وفاعل جمعوي وككاتب وشاعر.. صحفي.. وموسيقي.. لم يسجل عليه يوما أنه طمع في امتياز أو حظوة رغم أنه كان لكل مساندة موضوعية مستحقة فقير.. حرص حرصا شديدا على نظافة ونقاء مساره، متشددا في الدفاع عن الديمقراطية والتغيير من أجل نصرة الحرية وكرامة الإنسان.. لذلك إنه فقيد الجميع، فقيد كل التواقين إلى تغيير حقيقي لصالح الإنسان وعيشه الكريم.
برحيله فقدت سماء الكلمة الحرة والالتزام النضالي النظيف أحد نجومها.. وهو الإنسان الذي عرف كيف يواجه الحياة بتعقيداتها المحبطة ودسائسها التافهة، بصمت وأنفة.. لقد أحب وطنه، حبا خاصا، بطريقته، وشكل هذا الحب الخاص المعين الذي كان يغترف منه الوفير من قوة صموده المادي والمعنوي.
كان أقل كلاما عن باقي رفاق دربه لكنه أكثر تحركا على أرض الواقع.. كان يولي الأولوية لـ "البراكسيس" أكثر من "الهضرة" رغم أنه كان خطيبا ممتازا.. تميز بعتاده النضالي، النظرية الصلبة.. ظل "جلموديا" في هذا المضمار.. في انتخابات "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب"، حينما كان يمثل، وقتئذ "الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين" لم يدق طعم النوم أربعة ليال متتالية بشهادة إبراهيم الكازوزي أحد رفاقه، وذلك لحراسة صندوق التصويت قبل فتحه ومعاينة محتواه خلال المؤتمر الرابع عشر.
كان أحد أبرز خطباء "جبهة الطلبة التقدميين" بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، ورفيق الدراسة للراحل إدريس بنزكري في نفس الشعبة "الآداب الفرنسية". يثقن الفرنسية والعربية، كان، محفوظا في عيون رفاقه على درب الكفاح والنضال منذ 1968، مكتبة متنقلة وقاموسا متحركا.
من آخر كلماته – حسب الذين رافقوه عند احتضاره - "أنا فرحان.. أنا سعيد" ويحق له فعلا أن يكون كذلك.. لقد ظل مشواره نظيفا حتى آخر رمق في حياته، ولم يندم على أي لحظة من لحظات مشواره رغم رداءة العالم الذي عاش فيه.
ابتعد عن "السياسة" لكنه لم يتنكر لقناعاته.. بقي الفاكهاني الذي عرفناه منذ فجر سبعينات القرن الماضي.
مات عبد الفتاح الفاكهاني العازف الماهر على الآلات الوترية، إذ كان صاحب حس موسيقي رهيف.. بمعية بعض رفاقه في السجن المركزي بالقنيطرة يخفف على مجموعتي حي "ألف 1" و"ألف 2" وطأة الاعتقال وفقدان الحرية، يحلق بهم في بهو ساحة الفسحة عبر أغاني ناس الغيوان وجيل جيلالة بلكنته المراكشية الخاصة.. في البداية اكتفى بالاعتماد على القليل المتوفر لتشكيل فرقة موسيقية خلف الأسوار، سرعان ما تألقت مجموعته بعد أن سمحت إدارة السجن بإدخال بعض الآلات الموسيقية، وبعد التقليد جاءت مرحلة البحث عن تأليف أغاني ملتزمة خاصة.. كان الأمر سهلا على الفاكهاني الشاعر الذي برز في بداية الثمانينات من قاع السجن المركزي بالقنيطرة مبدعا متألقا.
سابقة أخرى، يتذكرها أحد زملائه بالسجن، الفقيد عبد الفتاح الفاكهاني كان أول من تكلم عبر الهاتف من داخل السجن ضمن مجموعته، عندما أخبر بعض رفاقه من لجنة المفاوضات المعزولين بسجن تازة وعين قادوس بفاس لفك الإضراب عن الطعام، ولم يكن أحسن من عبد الفتاح الفاكهاني للقيام بهذه المهمة اعتبارا لصوته الجهوري، ولسهولة التعرف عليه، سيما وأنه كان يبدأ كلامه بمقدمة لا يمكن أن تصدر إلا عنه.
خلال محاكمة مجموعته كانت سيارات الأمن تأتي باكرا إلى سجن "عين بورجة" لنقل المعتقلين إلى المحكمة، وحالما تغادر الباب الرئيسي، ينطلق صوت عبد الفتاح الفاكهاني.. همهمة تتصاعد رويدا رويدا منشدا نشيد الثوار..
"رمز الإنسان ثائرون
لم يعد يقبل الهوان
إذ دوّت صرخة الضمير
إيمانه يسدد خطاه
شمس الحقيقة هداه
نحو الأفق الأحمر يسير [...]".
وعندما يصل إلى "اللازمة" يكون الجميع قد شارك الفقيد في الإنشاد، لينطلق كل راكبي السيارة: "[..] لتكسير قيد العبودية
وأنياب الفقر الوحشية
يهب الثوار كلهيب النار".
فلتشملك رحمة الله.
المصدر:
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)