السبت، 3 شتنبر 2011

ياعلي ..سلمت يداك….

                                          ياعلي ..سلمت يداك….

                                                                                                                  اعلاء الأسوانى




عزيزي القاريء .اذا كنت حتى الان لم تتعرف الى فن " على فرزات " فأنت مقصر في حق نفسك …

الفنان السوري على فرزات واحد من أهم رسامي الكاريكاتير في العالم العربي وله حضور بارز على المستوى العالمي .

كنت أفخر كانسان عربي وأنا أطالع رسوم على فرزات في كبريات الصحف العالمية مثل الجارديان ولوموند ..

ولد على فرزات في مدينة حماة عام 1951 وظهرت موهبته الخارقة منذ الطفولة وفي سن الثانية عشرة أرسل رسما كاريكاتوريا الى صحيفة الأيام السورية ففوجيء في الأسبوع التالى برسمه منشورا في الصفحة الأولى وتلقى خطاب شكر وتقدير من رئيس التحرير الذى لم يكن يتخيل ان الفنان صاحب الرسم طفل صغير .

على مدى سنوات بفضل جهده واخلاصه للفن استطاع على فرزات أن يطور موهبته حتى حفر اسمه وسط عمالقة الكاريكاتير العربي أمثال صلاح جاهين وحجازي وناجي العلي ومصطفى حسين وطوغان وغيرهم ..

يعتقد فرزات أن رسام الكاريكاتير يجب أن يتمتع بموهبة السخرية قبل القدرة على الرسم . وهذه حقيقة لأن فن الكاريكاتير يعتمد على اظهار التناقض بين ماهو كائن وما يجب أن يكون ،

ولأن الحقيقة واضحة في ذهن فرزات فان رسومه دائما موجزة مقتصدة صادقة مستقيمة تخلو من الثرثرة والمواربة والتأنق الفارغ . يستطيع فرزات ببساطة مدهشة أن يختزل العالم في رسم يجعلنا نفكر ونحس بالقبح الذى يحيط بنا ونتوق الى جمال الحق والعدل .


رسوم فرزات تصيب المعنى مباشرة وكأنه يرسم بمسدس يصوبه بدقة ويضغط الزناد فتنطلق الرصاصة الى الهدف تماما . تضعك رسوم على فرزات أمام الحقيقة العارية وجها لوجه . لا أكثر ولا أقل ..

ليس الكاريكاتير بالنسبة الى فرزات مجرد فن ممتع ولايهدف أبدا الى التسلية والاضحاك .

الكاريكاتير سلاح بالغ الحساسية والفعالية في معركة الانسانية ..


قضية فرزات الأولى هي الحرية وهو يدافع عن حق الانسان وكرامته مهما تكن العواقب ومهما يكن الثمن . كان بامكان هذا الفنان العالمي أن يعيش في باريس أو لندن معززا مكرما ليكون مناضلا شهيرا آمنا في المهجر كما يفعل كثيرون لكنه أصر على البقاء في الوطن وقال ببساطة انه لا يفهم كيف يستطيع أن يرسم الناس وهو يعيش بعيدا عنهم .


كان بامكان على فرزات أن يتولى منصب وزير الثقافة في سوريا منذ فترة طويلة لو أراد .
لم يكن مطلوبا منه أن ينافق كثيرا ، كان المطلوب فقط أن يسكت على الظلم والقمع .
أن يتكلم في حدود المسموح ، كان المطلوب أن يرسم وفقا لحسابات وموائمات تجعل رسومه تعالج الموضوعات المتفق عليها ، كان مطلوبا منه أن يقول نصف الحقيقة لكن على فرزات يؤمن أن الحقيقة يجب أن تكون كاملة وأن نصف الحقيقة دجل وتزييف .


الغريب أن صداقة حقيقية ربطت يوما ما بين على فرزات وبشار الأسد . كان بشار عندئذ ابنا لرئيس الجمهورية يدرس طب العيون في لندن وكان محبا للفنون فبدأ يتردد على معارض فرزات وأعجب بأعماله ونشأت بينهما صداقة جعلت فرزات يستقبل بشارا في منزله .


لعل بشار قبل أن يتولى السلطة كان متحمسا لاجراء اصلاحات ديمقراطية حقيقية في سوريا ، ولعل ذلك ما دفع النظام السورى في بداية تولي بشار للسلطة الى السماح لعلى فرزات باصدار مجلته الشهيرة " الدومرى " وكانت أول مجلة خاصة في سوريا منذ الستينيات .

( الدومرى شخص يحمل فانوسا كانت السلطات العثمانية تعهد اليه باضاءة الشوارع ليلا أمام المارة قبل دخول الكهرباء في سوريا ) كانت مجلة الدومرى ظاهرة فريدة من نوعها أولا لأنها بسخريتها اللاذعة في المقالات والرسوم كانت أشبه بمجلة البطة المقيدة

"LE CANARD ENCHAINE"

الفرنسية الشهيرة وثانيا لأنها اعتمدت على التصريح بدلا من التلميح وتميزت بنقد صريح للاستبداد والفساد وثالثا لأنها بامكانات متواضعة استطاعت أن تحقق معدلات توزيع ضخمة لم تعرفها قط الصحف الحكومية السورية التى ينفق عليها حزب البعث الملايين وتخرج في النهاية مجرد نشرات دعائية كاذبة وسخيفة لا يقرأها أحد.

تحمل فرزات كل أنواع المضايقات والمطاردات من السلطة وظل يصدر مجلة الدومري بغير أن يحنى رأسه أو يهادن أو يعقد صفقات مع النظام . شيئا فشيئا تحولت مجلة الدومرى الى مشكلة حقيقية لنظام البعث ومخابراته حتى أنهم لم يجدوا في النهاية مفرا من اغلاقها والغاء ترخيصها .

على أن المناضل الفنان على فرزات لايعرف اليأس واذا كان نظام البعث قد أغلق مجلته فقد اكتشف رحابة عالم الانترنت فأنشأ موقعا اليكترونيا باسمه لينشر فيه رسومه التى ما أن تصدر حتى تتحول الى حديث السوريين .

غضب بشار الأسد بشدة على صديقه السابق وصرح مرة :
ــ على فرزات كان صديقي لكنه طعننى في الظهر

هكذا تحول بشار طبيب العيون الى مجرد حاكم مستبد آخر يعتبر الدفاع عن الحق طعنة في الظهر وهو شأن الحكام المستبدين لا يفهم الصداقة الا باعتبارها تبعية وولاء مطلقا بل انه يعتبر نفسه هو الوطن بلازيادة ولانقصان .

فمن يؤيده وينافقه يحب الوطن ومن يدافع عن حقوق الناس في نظره خائن وعميل ومن يطالب بالحرية في نظره متآمر ينفذ أجندات أجنبية . الغريب هنا التشابه الذى يصل الى التطابق بين تفكير بشار و مبارك وعلى صالح وبن على وكل المستبدين …

نفس الأكاذيب ونفس الاجرام ونفس التخلى عن المبادىء والأخلاق جميعا من أجل الاحتفاظ بالسلطة بأية طريقة وأى ثمن .

هذا التطابق بين المستبدين وصفه الكاتب الاسباني الكبير جوي تيسوللو عندما قال:

ــ اذا عرفت ديكتاتورا واحدا فقد عرفت كل الحكام المستبدين لأنهم جميعا واحد .
.
.
.
مع نشوب الثورة السورية والقمع الوحشي الذى مارسه النظام السورى على مواطنيه العزل الأبرياء لمجرد أنهم طالبوا ببعض حقوقهم الانسانية لم يكن ممكنا لعلى فرزات أن يقف مكتوف اليدين فامتشق سلاحه وأبدع رسوما أظنها ستظل خالدة في تاريخ الفن العربي .


فها نحن نرى جنديا ضخما مسلحا يمثل السلطة السورية يتأهب لاطلاق النار على معتقل معصوب العينين على أن الاثنين العسكري والضحية واقفان على طرفي خشبة رفيعة ستسقط بهما لو اعترتها أدنى هزة ..

وعندما يعلن بشار الأسد الغاء قانون الطواري ء يرسم فرزات ضابطا ضخما يمثل السلطة يظهر ظله الكبير على الحائط ونرى بشار الأسد يحاول طلاء الحائط لاخفاء الظل بينما الأصل موجود .

يستمر القمع الوحشي للثورة حتى يسقط أكثر من ألفي شهيد بالاضافة الى آلاف المصابين والمعتقلين لكن نظام بشار الأسد يستمر في الكذب ويعقد مؤتمرات لاقرار اصلاحات زائفة شكلية يحاول أن يخدع بها الشعب عندئذ يرسم فرزات شخصا جالسا على مرحاض يقضى حاجته بينما يسحب ورق تواليت مكتوب عليها توصيات المؤتمر ..


مع اصرار السوريين على الحرية وانتشار الثورة في كل أنحاء سوريا ارتكب أفراد الأمن والبلطجية التابعون للنظام المزيد من الجرائم البشعة فراحوا يقتحمون المساجد ويقتلون المصلين بالرصاص الحى ثم يظهر مغنى شعبي اسمه ابراهيم قاشوش فيشارك في المظاهرات ويرتجل الأغنيات التى تطالب بشارا بالرحيل ،

بعد أيام قليلة يتم اختطاف قاشوش بواسطة بلطجية النظام الذين يقتلونه ثم يقومون بانتزاع حنجرته بوحشية ويلقون بجثته على قارعة الطريق ليجدها الناس منزوعة الحنجرة فتكون عبرة لكل من يجرؤ على مطالبة بشار الأسد بالتنحى عن السلطة .

على أن وحشية النظام لم تزد السوريين الا اصرارا على الثورة وقد وقف معهم في الصف الأول الفنان على فرزات الذي واصل بشجاعة نادرة اطلاق قذائفه ضد الاستبداد . هنا كان لابد من التنكيل به واخماد صوته بأية طريقة ..

يوم الخميس الماضى انتهى على فرزات من عمله ثم استقل سيارته الخاصة عائدا من مكتبه الى بيته عندما لاحقته سيارة بيضاء وظلت تضيق الطريق عليه حتى تمكنت من ايقافه ونزل منها أربعة بلطجية ضخام أخرجوه بالقوة من سيارته ثم اعتدوا عليه بوحشية ،

ضربوه حتى أغرقت دماؤه الزكية ملابسه وسالت على الأرض وقد ركزوا في اعتدائهم على دماغه ويديه . ضربوه على رأسه حتى أصيب بارتجاج في المخ وكسروا أصابع يديه حتى تهشمت تماما . ان هذا الاعتداء الهمجي يحمل المعنى كاملا .

النظام السوري المدجج بكل الاسلحة الذى قتل الآلاف من أبناء شعبه بينما لم يطلق رصاصة واحدة على اسرائيل منذ أربعين عاما .

هذا النظام بالرغم من آلة قمعه الجبارة لم يعد بمقدوره أن يتحمل فنانا نحيلا رقيقا ليس لديه الا فنه وريشته . لقد ضربوه على رأسه وهشموا يديه لأنهم يخافون من الحقيقة التى يصنعها في رسومه البديعة ..


في يوم عيد الفطر المبارك بدلا من أن يكون الفنان الكبير على فرزات في بيته وسط أهله ومحبيه فانه يرقد الآن وحيدا في المستشفى وقد امتلأ جسده بالجروح و تهشمت أصابعه السحرية التى طالما أبدع بها رسوما ستظل دائما في أذهاننا وقلوبنا ..

أكتب هذه الكلمات وأتمنى أن تصل الى الفنان على فرزات حتى يعلم كم نحبه نحن المصريين ونحب سوريا كلها والى أى مدى نحس في مصر بمعاناة أهلنا في سوريا ..ان حالتنا نحن المصريين ليست على مايرام فبعد أن نجحنا في خلع حسني مبارك فوجئنا للأسف بأن نظام مبارك لازال يحكم ولم يسقط بعد وبالرغم من ظروف مصر المضطربة الا اننا لم ننس أشقاءنا في سوريا لحظة واحدة .

أدعوك ياعزيزي القارىء الى الدخول الى موقع على فرزات على الانترنت حتى تشاهد رسومه الرائعة وتدرك أى فنان عالمى هو وتدرك أيضا أية خطيئة ارتكبها بشار الأسد المسئول الأول عن جريمة الاعتداء الوحشي على واحد من أهم الفنانين في العالم العربي ..


يا على فرزات .. أنت فرد لكنك تمثل في ميزان الرجال أمة . لقد دفعت ثمن شرفك وشجاعتك في بلد يحكمه نظام مستبد جائر . لقد ارتكبوا جريمتهم بالاعتداء عليك لأنهم يخافون منك . انهم يملكون آلة القمع الجبارة وأنت لاتملك الا ريشتك لكنك أقوى منهم لأنك تمثل الحقيقة وهم يمثلون الزيف والفساد .

أنت المستقبل ياعلى وهم الماضي المظلم .أنت قادم ياعلى لامحالة وهم ذاهبون الى مكانهم المستحق في مزبلة التاريخ . لقد انتهى نظام بشار الأسد ولم يتبق منه الا عصا القمع ولسوف تنكسر قريبا وتحصل سوريا على الحرية …

صديقي على فرزات .. سلمت يداك

الديمقراطية هي الحل

المصدر:
http://alaaalaswany.maktoobblog.com/1621585/%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D9%88%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%8A%D8%A7%D8%B9%D9%84%D9%8A-%D8%B3%D9%84%D9%85%D8%AA-%D9%8A%D8%AF%D8%A7%D9%83/2-2/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق