الثلاثاء، 30 غشت 2011

مسلسل "محمود درويش " يفجر غضب المثقفين الغرب

            مسلسل "محمود درويش " يفجر غضب المثقفين الغرب

التمثيل شيء والحياة شيء آخر. هذا نعرفه. يمكن للتمثيل أن يكون تنقيحاً لأخطاء الحياة. أن يكون تعويضاً، أو حتى اختلاقاً لما لم يحدث. في التمثيل (على الشاشة أو خشبة المسرح) كلُّ هذا ممكن. لكن أن يكون التمثيل 'سلبطة' و'تشّبيحاً' فهذا، قطعاً، أسوأ التمثيل، بيد أن الاساءة تبلغ حدود الجناية عندما تكون هذه الحياة التي 'يتسلّبط' عليها 'التمثيل'، برعونةٍ فائقةٍ، لمّا تزل بيننا بحضورها المادي والمعنوي الكثيف.
هذا ما حصل لمحمود درويش على يد 'الشبّيح' فراس ابراهيم.
منذ اطلالته الاولى في مسلسل 'في حضرة الغياب' (المقتبس من عنوان كتاب لدرويش) يطلق هذا الممثل السيىء النار بين عيني محمود درويش ويرديه صريعاً. يموت درويش أمامنا على الشاشة قبل أن ينطق جملة واحدة، يموت ما إن تطالعنا البلادة الطافحة من وجه ممثل 'شبّيح'ٍ بامتياز. لا يموت درويش بنبلٍ، كما فعل في سفرته الأخيرة إلى الموت، ولكنه يموت ببلادة، بلا حد أدنى من الذكاء الذي كان خصلةً فارقة تتموَّج على جبينه. وهذه أسوأ الميتات. إنها جناية معلنة يُقدم عليها المدعو فراس ابراهيم بحق درويش ليس لأنه لا يشبهه (شكلاً)، وليس لأنه حطَّم شعره بأخطائه اللغوية ورخاوته الايقاعية، ولا لأنه يفبّرك (مع كاتب المسلسل) حياة لم تكن حياة درويش تماماً، بل لأنه، بالدرجة الأولى، ممثل سيىء في نص أسوأ.
لم يكن أحمد زكي يشبه جمال عبد الناصر ولكنه استطاع أن يقنعنا أنه عبد الناصر رغم التباعد الواضح في المظهر الخارجي للرجلين. الممثل الجيد قادر، رغم تباعد الشبه بينه وبين من 'يمثّل' شخصه، على أن يسبر غور الشخصية ويقدم ظاهرها وباطنها للمشاهدين. هذا ما يسمى في التمثيل بـ 'التقمّص'. إنه مذهب تمثيلي شائع ينسب، كما هو معروف، إلى المخرج الروسي ستانسلافسكي. هنا يذهب الممثل الى ما وراء جلد الشخصية. يدخل الى أعماقها، ولا يتم ذلك إلا بمعايشتها، إلاّ بالحلول التام فيها. الظاهر، في التمثيل، سهل. أقصد الشكل، لكنَّ الأصعب هو الباطن. هذا يحتاج أولاُ: موهبة تمثيلية. ثانياً: معرفة بما وراء وجه الشخصية. لا يملك المدعو فراس ابراهيم تلك الموهبة ولا هو قادر، بالتالي، على تقديم شخصية محمود درويش ذات الشهرة العلنية الطاغية من جهة والمتكتمة، بل أكاد أقول المكتنفة بالأسرار، من جهة ثانية. لمحمود درويش، كما يعرف أصدقاؤه، أكثر من وجه. كان له أكثر من دور في القضية الفلسطينية لا تختصر، فقط، بالقصيدة. وله في الحياة، عموماً، أكثر من دور لا يختصر بالنساء. وله حضور في القصيدة لا يشبه، دائماً، حضوره في حياته الشخصية. الشعر والشاعر ليسا شيئاً واحداً. رغم تسرّب نُتّفٍ من حياة الشاعر في قصيدته، رغم أن القصيدة من لحم الشاعر ودمه وأعصابه وقلبه ودماغه، رغم أنها تشبه الولادة إلا أنها ليست نسخة كربونية من منتجها. فالقصيدة ليست سيرة حتى وهي تتضمن شظايا سيرية، ليست بطاقة هوية رغم أنها تحمل دي أن آيه شاعرها. من يكتبون الشعر، بل من يعرفون الشعر، يعلمون أن القصيدة قد تكون حلم الشاعر، قد تكون الحياة التي لم يعشها، بل قد تكون المثال الذي يصبو إليه ولا يتحقق في حياته الواقعية. هكذا يخفق مسعى كل الذين يبحثون عن تطابق تام بين القصيدة والشاعر. فمن كتب قصيدة 'أحنُّ إلى خبز أمي' هو نفسه الذي لم ترد أمه في شعره، متعينة، إلا في قصيدة متأخرة له بعنوان 'تعاليم حورية'. ما أقصده بهذا الكلام هو خطأ 'ترجمة' القصيدة. أي تحويلها إلى سيرة وخلق تناظر بينها وبين الشاعر، فكيف إذا كانت تلك 'الترجمة' ركيكة، بائسة، وعديمة الخيال كما بدت في مسلسل 'في حضرة الغياب'.

أكاد أجزم أنَّ من كتب مسلسل 'في حضرة الغياب' (وهو سيناريست فلسطيني سوري يقال إنه جيد في 'كاره' يدعى حسن .م يوسف) لم يلتق درويش، وجهاً لوجه، أو على انفراد، مرة واحدة. فلو أن جلسة واحدة جمعت بينهما لما ارتكب تلك الجناية بحق شخص محمود درويش. فصاحب 'لماذا تركت الحصان وحيدا' لا يقرأ شعره، في بهو فندق، لـ 'معجب' أو 'معجبة'. نحن، من نعتبر أنفسنا أصدقاء درويش، لم يفعل ذلك معنا. كنا نتحدث عن الشعر بالتأكيد، كان يبدي رأيه في عمل واحد منا، أو يسألنا عن رأينا في آخر عمل له، ولكنه لم يكن يستل ديوانه ويقرأ شعره 'على الطالع والنازل'. فهو لم يكن من الذين يحولون اللقاءات الاجتماعية والصداقية الى أمسية شعرية. أجزم أن ذلك، بالذات، كان يستثير مخزونه، الوفير، من السخرية التي قد تكون جارحة أحياناً. هناك أصدقاء له يطلعون على قصائده قبل أن تنشر ولكنه لا يقرأ لهم على سبيل نيل الاعجاب أو حتى الاستمزاج، فكيف يفعل ذلك أمام عاشق محبط يطارد حبيبة واقعة في حب رجل آخر: درويش؟ من يعرف محمود درويش يعلم أن القصيدة عنده عمل كتابيٌّ بالدرجة الأولى. وليست القاء. ليست مثلا يضرب. ليست تطريباً ايقاعياً. يقرأ دوريش، كما نعرف، قصيدته أمام الجمهور. إنه، على الأغلب، أكثر شاعر عربي فعل ذلك. لكنه، رغم مئات المرات التي قرأ فيها شعراً أمام جمهور، كان يستصعب تلك المهمة. كان يعرف أنه لا بدَّ أن يقرأ في جمهرة من الناس لأسباب عديدة، من بينها 'واجبه' كشاعر ارتبط في ذهن كثيرين، على نحو عضوي، بقضية كبيرة، ومنها اختباره لعملية التلقي ذاتها، لكنه كان يقرأ ما يريد. وغالباً ما كان يقرأ جديده. مع ذلك تظل القراءة فعلاً لاحقاً على الكتابة. ومن يعرف درويش يعلم، أيضاً، أنه كان يعكف على قصيدته كما لو كانت عملاً مختبرياً، فبقدر ما كان الضغط كبيراً على قصيدته كي تستجيب للراهن كانت تتفلَّت، بقدر ما تستطيع، من راهنية هذا الراهن وإكراهاته، وتحلِّق، باندفاعةٍ ايقاعية، غنائية، متلاطمة الجوانب، في الاسطوري والواقعي والميتافزيقي.
لذلك بدت لي قراءات درويش أمام معجبين في هذا المسلسل البائس مثيرة للأسى فضلاً عن أنها بعيدة، كل البعد، عن شخصية درويش التي يتصدى لها.
ولكن ماذا عن تلك القراءة نفسها؟
يتملك الواحد منا غضب شديد عندما يسمع هذا الممثل الرديء، الذي أبى إلا أن يرتكب حياة واحد من أكثر الشعراء العرب كارزمية، وهو يقرأ قصائد دوريش بوصفه محمود درويش. يا للمهزلة. يا للفارق الفلكيِّ. فلا نبرته تشبه نبرة دوريش ولا لغته الجسدية (التمثيلية) تشبه لغة درويش الجسدية، ولا حضوره الباهت، بل البليد، يقترب من حضور درويش الآسر، المسيطر، المتوتر، المنفرد والمحتشد، على المنبر.
' ' '
محمود درويش ليس قديساً. ليس معصوماً عن النقد. ليس فوق التحليل والتشريح. ولست أرغب، هنا، في أن أسبغ عليه ما ليس فيه. انزعاجي من هذا العمل التلفزيوني يتعلق، أساساً وقبل أي شيء آخر، بالرداءة التي عُرضت فيها 'حياته'، أو ما ظن القائمون على المسلسل أنها حياته. فقد كان بالامكان عمل مسلسل جيد عن حياة درويش، بما لها وما عليها، رغم حداثة رحليه. فالأمر لا يتعلق، بقرب رحليه أو بعده، فهناك من صُنِعَتْ مسلسلات (أو أفلام) عن حياتهم وهم أحياء يرزقون ولكن الأمر يتعلق، أولاً وأخيراً، بالأهلية. بالكفاءة. بالقدرة على صنع سردية درامية ذكية، متقنة، وقبل ذلك، مقنعة لحياة دوريش شخصاً وشاعراً وصانعاً، مع قلة قليلة، الهوية الأعمق للفلسطينيين. كيف يمكن لنا أن نصدِّق أن ما نراه 'في حضرة الغياب' هو محمود درويش الذي بمقدور أي متصفح لليوتيوب أن يراه، ذكياً، متألقاً، لماحاً، في عشرات المقابلات التلفزيونية والقراءات الشعرية؟
عتبي، مثل كثير من أصدقاء محمود درويش، على أخيه أحمد الذي أجاز، باسم العائلة، هذه المهزلة (رغم أن درويش أكبر من أن يكون إرثاً حصرياً لعائلة). عتبي أكبر على مرسيل خليفة صديق محمود ومغني قصائده الذي قبل أن يكون طرفاً في هذا 'العدوان الثلاثي' (بحسب تعبير حسن خضر) على شاعر الأرض والجرح والأمل. كان ينبغي منع المدعو فراس ابراهيم، بكلِّ السبل، من ارتكاب حياة محمود درويش، فليس هكذا يتقزَّم، أمام أعيننا، من كان طويلاً ونحيلاً 'كشهرٍ من العشق' أو أكثر.

أمجد ناصر

المصدر:
http://alyawmpress.com/ici-et-la/2995--q--q----.html

سماعيل البويحياوي سيد القصة الهايكو

                                 سماعيل البويحياوي سيد القصة الهايكو

القصةُ القصيرة سرٌّ شهيٌّ.. ومض بهيٌّ..بوح نقيٌّ... مِفتاحٌ سحرها مخبوء فِي قلبها،على القارئ الواعي العاشق ان يبحث عنه كما عن درر في البحر...قليل من المبدعين من يجيد تشكيل هذا السحر لجعل القارئ يغوص ملء كيانه داخل الكلمات لاستكناه ما تحبل به. و هذا ما يجيده القاص اسماعيل البويحياوي.
القصة القصيرة جدا، و القصة القصيرة عالم ثنائي يقطنه البويحياوي الذي يمارس فن تكثيف مواقع الرؤية المشبعة بالشعور بالزمن و بالحركة في مساحة ضيقة او محدودة بين ممارسة الكتابة و نقدها، وتدريس مادة اللغة العربية ،يؤسس المبدع عوالمه و يشكل تكوينه الثقافي والمعرفي والإبداعي، في أعماله نستلذ سرد القصة القصيرة المستلهمة من بيئته وتراثه و "القصة الهايكو" التي ينتجها وعيه الذي يعبر عن إصراره و إرادته في اختيار ألجنس الأدبي الذي يمارسه، بين عمق المضمون ودلالاته الإنسانية , محاولا تجاوز الواقع دون التنكر لمحيطه الاجتماعي الذي يعيشه، و دون الانغلاق على الذات او الانعزال عن العالم الواسع.
اسماعيل البويحياوي : مبدع تجريبي في" القصة القصيرة جدا". يتخذ من التراث تارة و من المعاش تارة أخرى مرتكزا حيويا لأعماله الأدبية كي يلامس صميم القضايا الإنسانية,بلغته شاعرية رفيعة-صقيلة محملة برمزية مكثفة وإحالات تنضح من الموروث الثقافي و الوعي الجماعي.ما تؤثث به فضاءات تحتمل أكثر من قراءة...
بين أنامله تضيق العبارة ليتوسع المعنى فيبحر الحرف بين المخيال و المعرفة موظفا زخما معرفيا خلاقا .
في سفر سردي فاتن يأخذنا البويحياوي داخل" طوفان في قطرة". حيث النسغ مسربل بنكهة تراثية كالشيفرة تلقي بظلالها على الحاضر بينما يمتد الجذر الى الماضي....
تتوالى العناوين = إخلاص-معجزة-الإغارة-حاجة...تنفتح النصوص على صور من الذاكرة الجماعية فينفتح معها الجرح الآني في أجزاء كثيرة من العالم العربي...
يراوني سؤال حاد هل كان الكاتب نبيا يبث إرهاصاته بين دفتي كتاب صغير حمله هم الإنسان من بدء الخليقة الى اليوم.. ؟.
هل اسماعيل البويحياوي متنبئ استبق الأحداث و كتب الثورات العربية و غليان الشارع, ثلاث سنوات قبل الحدث؟.
تكفي قراءة نبوءاته المعنونة بولاء, أخوة,.خبيرة, ايجبتلوجيا. , الخلافة،.استمرارية...للوقوف على تقاء التجربة-الرؤيا-النبوءة التي تتدفق بين عمق و دقة اختيار الفكرة و النضج في التعاطي مع القضايا المجتمعية-الانسانية....
في "قطف الأحلام"الكتابة لحن فريد يمزج السرد بالشعر في لغة تبني كثافتها و تستثمرها لتنتج بوحا، حلما، احتراقا ،عطشا، فصاحة، و تمر بنهر من العناوين-الصور- حتى تصل السقيا، فالطوفان فالاحتضار في ريق الزمان...
الكتابة هي الإطار الذي يجمع بين القاص والناقد في ذات البويحياي و التقاط جزء من وحي التراث جزء من تجريب الكاتب انه كالفنان موجود داخل اللوحة و خارجها، داخل التراث و خارجه داخل النسق و ضده، اكاد اقول انه مبدع فريد من نوعه...ينسج الكلمات بعذابات روحه، يتوحد مع شخوصه حد التماهي و يدافع عن جنسه الأدبي بنوع من الشراسة النبيلة إذا اقتضى الأمر. يؤمن بان المبدع له حق النزوع إلى آفاق التجارب الكونية لأنه يدرك أن الخلود للأصلح و الأصدق..
اسماعيل البويحياوي الناقد هل يخدم البويحياوي القاص ام يعيقه؟ اطرح السؤال على نفسي و اجيبها بتلقائية،
اعتقد أن حضور النزعة النقدية يجعل المبدع قاسيا مع نفسه اثناء كتابته ما يجعله يستقطر الفكرة ليستخرج النسغ صافيا لذا تطغى على أعماله روح التأمل ومحاولة النظر إلى العالم بعمق فلسفي . و هذا ما يجعلنا نستسلم لسحر ابداع البويحياوي كفكر  وشكل ووعي ثمة ما تحتفي به الساحة الابداعية في المغرب و العالم العربي لان كتابات البويحياوي تضيف جديدا نوعيا في الجنس الادبي التي يبدع فيه"القصة-الهايكو" ...بكتابته الرصينة و تجربته الرحبة المحفزة على التأمل في تجليات الوعي... أليست الكتابة أولا و أخيرا خلاصة فكر؟
عزيزة رحموني/ اليوم بريس
المصدر:
http://alyawmpress.com/culture/2913-2011-08-24-06-53-09.html 

السبت، 27 غشت 2011

وجهة نظر قصصية: زمن القصة القصيرة بالمغرب

      وجهة نظر قصصية: زمن القصة القصيرة بالمغرب

وجهة نظر قصصية: زمن القصة القصيرة بالمغرب
                                                                                                            
      فيما يتعلق بالتألق الذي باتت تعيشه فعلا القصة المغربية، وأنا أقول هذا الكلام بكل مسؤولية كقاص مغربي، فهو يعود، وبشكل أساس ، إلى اجتهادات ذهنية هي بكل تأكيد جد مضنية لقصاصي الجيل المغربي الجديد في استفادتهم طبعا من الإيجابي من معين سابقيهم من قصاصين مغاربة رواد مهرة، على قلتهم، من الناحية الفنية، وكذلك لتعدد الأنشطة للمؤسسات الثقافية التي باتت تصب في معظمها في الآونة الأخيرة في مجال هذا الجنس السردي الفاتن... المسألة بالنسبة إلي، ولأجل وضوح أكثر، فالقصة المغربية، وعلى الرغم من كل تلك "الخصومات" التي هي على بال أولي الألباب، انتصرت بفضل حنكة قصاصين مغاربة جدد صادقين ومهرة، على الرغم من اختلاف مشاربهم وعلى الرغم من "اختلافاتهم الفنية"، ما جعلها اليوم تعيش أزهى أيامها والكرة بين أيدي قصاصيها لتتبوأ ريادتها التي باتت مستحقة عربيا على الأقل.
أعتقد حد الحزم والجزم أننا فعلا نعيش اليوم زمن القصة القصيرة بالمغرب... العشرية الأولى من الألفية الجديدة عشرية القصة القصيرة بامتياز عكس العشرية الأخيرة من الألفية المنصرمة التي كانت عشرية شعرية وتحديدا عشرية لقصيدة النثر بالمغرب، بل والأدهى من ذلك أن عددا من أبرز شعراء الجيل الجديد انتقلوا، وببراعة فنية أشهد لهم بـها، من نظم الشعر إلى سرد القصة القصيرة.. وأنا، في هذا السياق، حين أقول إنـه زمن القصة القصيرة بالمغرب فإنني لا أقصد الكم فحسب، بل والكيف أيضا... لقد بتنا اليوم في المغرب نتوفر على عدد هام من كتاب مهرة لهذا الجنس الأدبي الدقيق، الصعب حقا، والفاتن..
أعتقد أن أسباب عدم انتشار القصة المغربية بين القراء المغاربة اليوم، وكما يجمع على ذلك كافة القصاصين المغاربة ممن أصدروا مجاميع قصصية ، يعود لسببين رئيسيين اثنين لا ثالث لهما: أولهما، بالأساس، يعود إلى سياسات ثقافية عقيمة انتهجت بالمغرب طيلة العقود الأربعة الأولى لما بعد حصول المغرب على الاستقلال من طرف "حكومات" لم تكن فيها أية روح ثقافية أو ربما كانت تخيفها الثقافة فيما يتعلق بمصالحها أيامها، وثانيهما ( وهذا هو الأكثر فظاعة بالنسبة إلي ) أن الكتاب المغاربة اليوم أنفسهم، وبصفة شبه عامة، لا يقرؤون لبعضهم البعض لما يحلو لي تسميته، وكما عاينت ذلك ميدانيا ككاتب مغربي، بسبب ذاك المرض النفسي الفظيع والخطير الذي ننعته نحن المغاربة في عاميتنا ب: "التمكريه" وإلا ما تفسير أن يقوم كاتب ما بطباعة ألف نسخة من كتاب أدبي معين ولا يوزع منه سوى مائة وخمسين أو مائة وستين نسخة في أعظم الأحوال، أو ليس لنا، بين الشباب والرواد وعلى امتداد ربوع المملكة ألف كاتب على أدنى تقدير ؟ !!! إنها – بكل حق وبكل تأكيد – قمة المأساة، بل والتراجيديا.
أعتقد، ( وهذا ليس تعصبا مني )، انطلاقا من متابعاتي لما ينشر في الصحف والمجلات الورقية والالكترونية من طرف قصاصي الأجيال العربية الجديدة بما فيها، طبعا، المغربية، أن القصة المغربية الجديدة باتت جد متميزة وجد متألقة، بل وهي لن تكون إلا رائدة إذا ما توفر لها، في نظري، ما يلي:
- تجاوز الحزازات الخاوية ( "التمكريه" كما هو دارج عندنا كمغاربة وسياق الموضوع يتصل هنا بقصة المغاربة ) الناتج، بدوره وبكل تأكيد، عن ذاتيات سيكولوجية مرضية جد فظيعة: ( سرطانات "قصصية" معلومة ومميتة طبعا ) بين "القصاصين" أنفسهم.
- تجاوز الحزازات بين كافة المؤسسات المعنية بدعم الثقافة المغربية بصفة عامة والقصة المغربية من ضمنها، وإنني كنت وما أزال أتساءل وبتعجب حقيقي كبييييير: كيف للحزازات هذه أن تكون ورواد بعض الإطارات ( سامحها الله) تدعي "الغيرة الثقافية الوطنية" وهي في واقع الأمر لا تبغي، من خلال "أصحابها" / "روادها" سوى ريادة ليست سوى وصولية حقيرة وبالتالي وهمية على حساب المؤسسة والثقافة بعد فشل "أصحابـها الكتاب هؤلاء" الفظيع في ذلك عبر خربشاتـهم التي يتوهمونها إبداعا قصصيا !!!
- قيام المؤسسات الثقافية ذات الطبيعة الحكومية بما يلزم.
- الخ...
... الجميل، حقا، في القصة المغربية اليوم، و بغض النظر عن كل ما سبق، وانطلاقا من متابعاتي اليومية لما ينشر منها ، أنها ثرية وثرية جدا جدا، وسر ثرائها الأساسي يتمثل في تنوعها المتنوع بدوره حسب تنوع اجتهادات مبدعيها الحقيقيين من الناحية الفنية، وإن كان هذا التنوع لا ينبغي له أن يتخذ تلك الأشكال من تلك "الصراعات" الخاوية، بل والخسيسة أحيانا فيما بين "بعض" "القصاصين" التي تطفو، بين الفينة والأخرى، على صفحات وسائل الإعلام وخصوصا منها الالكترونية التي باتت معظمها منابر بلا بكارة "يلجها" من هب ودب من دعاة الكتابة وب "حريـة" جد مطلقة.
... لقد كنت، دوما، وعبر كافة تصريحاتي الصحفية، إن في المنابر المغربية وغير المغربية، أعبر وأصرح عن انتقادي الواضح والصريح لما بات يعرف ب: "التجريب"، من جهة، لسوء "توظيفه" من طرف أغلبية "المجربين" حيث تحول إلى تخريب للقصة وإلى افتضاض همجي حقيقي لبكارتـها الفنية النقية دون اعتماد تقنياتها المعروفة التي تحدث عنصر التشويق الذي بفضله، وبتأكيد شبه مطلق، يتم شد المتلقي إلينا كقصاصين وبالتالي إلى أفكارنا، بل ومواقفنا، القصصية من الذات ومن الآخر ومن العالم، وبالتالي إلى منح القصة وظيفتـها التواصلية الصرفة التي خلقت لأجلها باعتبار العملية القصصية ( والإبداعية بشكل عام ) عملية تواصل وحوار متبادلين بالدرجة الأولى، وإلا، وهذا بالتحديد خوفي على قصتنا المغربية، سنكون إزاء عملية غير مكتملة، بل ومنعدمة ربما ، تماما كتلك التي يحاول تحقيقها البكم والصم وبشكل مستحيل فيما بينهم.
... رغم نبذي شخصيا لكل شكل من أشكال تلك "المفاضلة" التي هي على بال أولي الألباب بين الرجال والنساء وفي كافة المناحي، إلا أنـه، وبحكم النـزعـة الذكورية المرضية التي لا زالت، وللأسف الشديد، متفشية جدا جدا ، وإلى الآن، في أوساط مجتمعنا المغربي بما فيه "وسطنا الثقافي"، فإن القصة الرجالية تبقى لحد الآن أكثر رزانة وارتباطا بالواقع والمجتمع من نظيرتـها النسائية لأنها أكثر احتكاكا بهذا الواقع وبهذا المجتمع بناء على أن مجتمعنا المغربي ما يزال يمنح الحرية المطلقة للعنصر الذكوري لأجل الاحتكاك بواقعه ولأجل ركوب جميع مغامراته الليلية منها والنهارية، الجنسية منها والسياسية ، الخ... ما يكسبه تجارب وخبرات حياتية جد مهمة وأساسية كذلك لإغناء الكتابة الأدبية والإبداعية بشكل عام... هناك طبعا ، وانطلاقا من معايناتي الميدانية، استثناءات نسائية حقيقية، وعلى قلتها المشجعة، رقت بكتاباتها القصصية إلى مستوى مناقشة الواقع المغربي بناء على احتكاك به وعلى مستواه السفلي حتى، فيما البقية الباقية من "الكاتبات القصصيات"، لا تتقن ولا تجدن في "كتاباتهن" سوى مواصلة ذاك "البكاء السردي"، حد العويل، المرضي القديم جدا جدا على "تفضيل" المجتمع للرجل على المرأة وعلى الرغم من كل تلك الامتيازات الحقيقية فعلا التي منحتها الدولة المغربية على عهدها الجديد تحديدا للمرأة المغربية: إنها حقا مشكلة حقيقية تكاد تتقاطع ومعضلة حقيقية: إنه واقع ملموس وقائم وليس رجعية مني، أنبذها شخصيا.
نعم، وإنني لأكررها للمرة المليون، إنه زمن القصة القصيرة بالمغرب والأمر يعود، بالنسبة لي بكل تأكيد بناء على تجارب وخبرات قصصية ميدانية شخصية جد قحة، إلى إبداعات قصصية مغربية حقيقية يكتبها قصاصون مغاربة حقيقيون وجد مهرة.. أما فيما يتعلق بالذين كثروا على صفحات "جرائدنا" المغربية كالفطر ب"بياناتهم القصصية" ( وهل القصة في حاجة إلى بيانات؟؟؟ )، والذين تركوا القصة الحقيقية لينصرفوا إلى "بياناتهم" هاته المؤججة للحروب الخطيرة والخطيرة جدا على قصتنا المغربية والمدمرة لها بكل تأكيد، فمصيرهم وبياناتهم و"قصصهم" وانتهازيتهم هو برميل الزبالة.

المصدر:
http://hespress.com/art-et-culture/37006.html

الأربعاء، 24 غشت 2011

خطوات للوراء...

 
خطوات للوراء...
فارس خضر
        لا اظن ان " ت. س. اليوت" كان يعرف أحدا من الشعراء ذائعي الصيت في هذه الأيام الملتبسة ، ذلك أن كتاباته النقدية النافذة بعد مرور نصف قرن على كتابتها  لا تزال صالحة لتوصيف ونقد الكثير من الظواهر الشعرية الشاذة ، فالشعر الذي يهبط بالبارشوت على كل وسائل الإعلام ، وتخاف ان تفتح صنبور المياه خشية ان يتدلى براسه ليجلدك بما يتصور انه الشعر،هذا الشاعر ليس إفرازا طبيعيا لانحطاط الذوق العام ، ولا نتيجة منطقية لتدني الوعي الفني عند العامة فحسب، لكنه احد الحواة المهرة ، ممن يبيعون لنا الوهم، ويداعبون المشاعر الرائجة ويلعبون بها، مثل هذا الشاعر هو خليط من الممثل والمهرج ولاعب السيرك والتاجر الشاطر.
وقد يتصور البعض أن الحضور الجماهيري ميزة لا تتوافر الا لشعراء قليلين ، وهم بهذا يخلطون بين الجماهيرية والجودة ، والأرجح أنهما متناقضان ، فاليوت يقول: إذا ظفر شاعر بجمهور كبير من المستمعين بسرعة كبيرة فذلك ظرف خليق ان يثير الشبهة ، لأن هذا الشاعر في الواقع لن يقدم شيئا جديدا بقدر ما يعطي للناس ما اعتادوا عليه من قبل ...!
المدهش أن اليوت يرى ان " حصول الشاعر على جمهور مناسب ، قليل ، في عصره أمر مهم . على ان  يكون هناك دائما طليعة من الناس، تقدر الشعر حق قدره وتكون مستقلة ، ومتقدمة على عصرها الى حد ما ."
هذا الفهم النخبوي للعملية الإبداعية لا يسجن الشعر في أبراج عاجية ، ولكن يضعه في منزلة متعالية بعض الشيء، بحيث ان " التطورات الطارئة على الاحساس والتي تظهر أولا في عدد قليل ، تشق طريقها في اللغة بالتدريج  ، بتاثيرها على كتاب شعبيين اكثلا سهولة ، وفي الوقت الذي تكون فيه قد كرست نفسها سوف يقتضي الامر تقدما جديدا."
ان هذه الرؤية تضع مسار العملية الابداعية  في اتجاه واحد ، غير ان قناعتي ان مسار الفنون لا يتخذ دائما هذا المنحى الهابط ـ من أعلى الى أسفل ـ ذلك لان كثيرا من الإبداعات الشعبية المتولدة والمعبرة عن الوجدان الشعبي  الجمعي قد تصعد إلى النخبة المبدعة ممن يسمون بأصحاب الثقافة الرسمية ، فتؤثر في إنتاجهم الإبداعي التأثير نفسه الذي تتركه بقية معارفهم وتجاربهم وخبراتهم ومهاراتهم الابداعية.
كان اليوت شديد الإيمان بالوظيفة الاجتماعي للشعر ، فراه مؤثرا بتفوقه وعنفوانه في كلام واحساس الأمة بأسرها ، وكان يقصد بكلماته النماذج الشعرية العظيمة فحسب، ولم يتطرق من قريب ولا بعيد للحواة الذين يعيدون انتاج الماضي  باكثر الاساليب ابتذلا وتهتكا ، بحيث لا يتورعون عن السرقة العلنية الفاضحة لنماذج شعرية اصيلة وراسخة دون ان  يخجلوا او يستشعروا ادنى احساس بالخزي والعار.

المصدر: مجلة  الشعر :العدد 142 ـ صيف 2011 ـ ص: 160

السبت، 20 غشت 2011

كيف تكتب قصة قصيرة في خمسة ثوان وبدون معلم

                         كيف تكتب قصة قصيرة في خمسة ثوان وبدون معلم

                                                    زهير الخراز

قد يكون عنواننا هذا عزيزي القارئ فيه بعض المبالغة .. و مستفزا إلى أبعد الحدود .. هذا من ظاهر العنوان .. أما من باطنه فهو يعكس الحقيقة بعينها ..فما كان خيالا في البارحة أصبح حقيقة اليوم، ولو تأملت معي عصرنا هذا الذي نعيش فيه لغيرت رأيك في الحال .. إنه عصر الانترنيت والهمبورغر وكل ما هو سريع وخفيف وظريف !
إذ ليس مستحيلا أن تصبح كاتبا يشار إليك بالبنان وحتى بالبنين في مدة زمنية قصيرة.. ما علينا فمازلنا في بداية الطريق .. لكن إن كنت فعلا ترغب أن تصبح قاصا فعليك أولا أن تلم بهذا الجنس الأدبي الظريف وتكون عنه ولو نظرة صغيرة .. لن أقحمك طبعا في تعريفات أكاديمية مملة .. فللقصة هاته حكاية طويلة ..أعني في البدء كانت حكاية عملاقة، لها رقبة زرافة، فأضحت بقدرة قادر قطة صغيرة ..عفوا أعني قصة قصيرة كانت مملة جدا وترتدي عباءة طويلة فقصوا العباءة بادئ ذي بدء وحولوها إلى " ميني جيب " فصارت خفيفة .. رشيقة .. وظريفة .. ودخلت الغواية من بابها الواسع وسقط في حبائلها فحول الأدباء وصبيانهم على حد سواء ..منهم من طلق زوجاتهم الطلاق الثلاث .. أعني طلقوا الأجناس الأدبية الأخرى طلاقا لا رجعة فيه .. ومنهم من ضرب في سبيلها مبادءه عرض الحائط وأقر بتعدد الزوجات .. ( أعني تعدد الأجناس الأدبية ) ..
فتعاقبت أجيال وأجيال فجردوها من ملابسها ثم جزوا رأسها وأطرافها .. فأمست كائنا هلاميا لا إسم له .. بل شيء يزحف على الأرض وهاهو يزحف ويزحف إلى ما شاء الله ...
وإليك عزيزي القارئ بعض النصائح البسيطة التي تؤهلك لكي تصبح  قاصا كبيرا تزاحم بنتاجك الغزير فحول القصاصين ... فما دام إبداع معظم هؤلاء يقوم على أساس المغامرة وإن صح التعبير على المقامرة .. فما عليك عزيزي إلا أن تتحلى ببعض شجاعتهم "وجبهتهم " ونزرا قليلا من قلة حيائهم، وسوف نبدأ أول ما نبدأ باللقب أو الاسم .. أو إن شئت بالجنس الأدبي لهذا النوع من الكتابة .. ألا وهو " القصة القصيرة "
وبما أنك قد امتطيت صهوة المغامرة .. وركبت بغلا جامحا ..و مادام بغلك الجامح قد داس الأخضر واليابس ..فلما لا تبدع مثلا على مستوى لقب هذا الجنس ..فدع بغلك يمر بسلام، واستبدل " القصة القصيرة "  مثلا " بالقطة القصيرة " وللقطة دلالات لا تعد ولا تحصى ولها علاقة وطيدة بهذا الجنس الأدبي الظريف . لما لا !!! أو دعها تنطق هكذا " الفصة والفطيرة " أو" فظة ونظيرة " أو أتركها بلا تنقيط . والقارئ يكمل من عنده .. هذا على مستوى الجنس أو اللقب أما على مستوى النص فلك كامل الحرية عزيزي القارئ كي تعيث فيه فسادا كما يحلو لك .. وإليك بعض التقنيات البسيطة جدا .. فخذ قلما ( لايهم النوع ) وورقا وإن شأت قراطيس الإسمنت أو ما شابه ذلك .. ضع عنوانا أو لا تضعه فالخيار يعود إليك .. ابدأ بأية كلمة تخطر على بالك ثم اتبعها بالتنقيط ..أملأ صفحة .. صفحتين أو ثلاث بالنقط .. وها أنت قد أنجزت قصة قصيرة .. ولاتنسى أن ترسلها إلى ملحق من الملاحق أو منبرا من المنابر .. حتى يتسنى لها أن تنشر .. لاتقلق بشأنها، فالقارئ سوف يدبر أمره و" يكمل من عنده " .. لما لا ؟؟؟ .. فما فائدة هذا الدماغ إن لم نعصره في مثل هذه الحالات !!!
أما التقنية الثانية فهي في متناول الجميع .. الأمي والمتعلم على حد سواء .. فما عليك إلا أن تجمع قصاصات الصحف والمجلات وحتى " كاغط مول الزريع " .. لاتهم اللغة .. ثم مزقها إلى قطع متفاوتة الأحجام بعد ذلك اخلطها جيدا .. ثم خذ حفنة من الخليط وألصقها على صفحة بيضاء .. وهكذا تكون قد حصلت على قصة قصيرة فريدة، متميزة وبإمكانك أن تطلق عليها لقب " القصة الكولاجية " .. لاتنسى أن تبعثها إلى أقرب منبر ثقافي .. لا تقلق بشأنها فالمحرر سوف يتدبر أمره .. أما عن قارئك المفترض فليذهب إلى الجحيم، وإن تعذر عليه فهمها فليشرب ماء البحر .
وإن أنت فكرت يوما بضم قصصك إلى بعضها البعض وطبعها، فلك الحل الأسهل والأمثل .. فنظرا لغلاء الورق وتكاليف الطباعة الباهظة فإنني أقترح عليك عزيزي المهتم تقنية غير مكلفة .. فخذ كمية متواضعة من المادة اللاصقة وإن تعذر هذا فلا بأس بالماء والدقيق .. ورزمة من المناديل الورقية المختصة للنظافة شريطة أن تكون نظيفة .. ثم أكتب ما شئت أن تكتب .. وعنون ما شئت أن تعنون ونقط ما شئت أن تنقط .. ثم ضع الرزمة الورقية بين دفتين من الورق المقوى والأفضل أن يكون هذا الأخير مصنوعا من العلبة الكرتونية المخصصة " لجافيل لاكروا " فهي أمتن وأنظف .. وأرخص .. ولا تنسى أن تستنسخ منها عدة نسخ .. وهذا يعتمد على مجهودك الخاص طبعا . وإذا ما واجهتك معضلة التوزيع .. فما عليك عزيزي القارئ المهتم إلا أن تمتطي أعلى برج في بلدتك، شريطة أن يكون يوما عاصفا جدا .. ثم اقذف بقصصك في الهواء .. فالرياح كفيلة بأن توزعها في كل أصقاع الأرض، لكن حذار أن يزل قدمك، فتهوي بك الرياح إلى الحضيض.. حينها سيداع خبر وفاتك قبل أن يذاع صيت قصصك ..
وإلى حلقة أخرى ووجبة جديدة أعني جنس أدبي آخر و ... السلام على من اتبع الهدى

المصدر:
http://www.facebook.com/notes/zouhair-el-kharraz/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AA%D9%83%D8%AA%D8%A8-%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%AE%D9%85%D8%B3%D8%A9-%D8%AB%D9%88%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%A8%D8%AF%D9%88%D9%86-%D9%85%D8%B9%D9%84%D9%85/2221047079006

الخميس، 18 غشت 2011

لوز أخضر/ قراءة لقصتين وأربع قصائد

لوز أخضر/ قراءة لقصتين وأربع قصائد

 
                                                                         محمود شقير
1
كنت في وقت سابق، قد أبديت إعجابي، في حديث إذاعي، بتجربة مجلة "فلسطين الشباب"، من حيث إتاحتها الفرص لجيل جديد من الكاتبات والكتاب الشباب للتعبير عن أنفسهم بطريقة حرّة، ولنشر نتاجاتهم الأدبية التي تتراوح بين النص المفتوح والخاطرة الأدبية والقصة والقصيدة، علاوة على تخصيص حيز للتصوير الفوتوغرافي واللوحات الفنية ومراجعة الكتب، والمتابعات الأدبية في ميادين السينما والمسرح والفن التشكيلي والرحلات واليوميات وما تتضمنه من رصد للمعاناة من الاحتلال وإجراءاته القمعية التعسفية، وغير ذلك من نصوص ومواد.
وإلى جانب ميزة الإيجاز التي يفرضها شكل المجلة، فإن إتاحة الفرص أمام الشابات والشباب للبوح بما يعتمل في نفوسهم تشكل ميزة أخرى للمجلة، علاوة على رغبة الشابات والشباب أنفسهم في التمرد على ما هو سائد من أشكال أدبية ومواضعات اجتماعية مختلفة، ما يشي بأهمية التعاطي مع اللغة من منظور جديد لا يعيد اجترار الصياغات اللغوية المألوفة، وبأهمية تعرية المفاهيم الاجتماعية المتكلسة التي تعني الحفاظ على القديم تحت شتى الحجج والمقولات، وفي الوقت نفسه ضرورة النظر إلى القضية الفلسطينية وصراعنا مع الاحتلال من زوايا جديدة تغني هويتنا الوطنية وتعزز حضور الثقافة الديمقراطية في هذه الهوية، وتبتعد بنا عن الرؤى التقليدية المفعمة بالحماسة السطحية لدى التطرّق للهم الوطني الفلسطيني، وتجتهد في رؤية ما هو إنساني في قضيتنا لتعزيز تضامن شعوب العالم معنا، ومع حقّ شعبنا في الحرية والعودة وتقرير المصير والاستقلال.
من هنا تبدو مهمة "فلسطين الشباب" واعدة وحافلة بالآمال، وضمن هذا السياق، فإن ما هو مطلوب من الجيل الجديد من الكاتبات والكتاب ما زال غير منجز حتى الآن. فالبوادر الإيجابية التي ترهص بها نتاجات هذا الجيل تبشر بخير قد نرى اكتماله بعد زمن. ذلك أن التصدي للمهام الجديدة من منظور جديد يتطلب اهتمامًا كبيرًا باللغة، لما للغة من أهمية قصوى في عملية الإبداع. ويتطلب تحصيلاً ثقافياً واسعاً ودراية بأسرار الأشكال الكتابية السائدة للاستفادة من عناصرها القادرة على البقاء، ولتجاوز هذه الأشكال بما ينسجم مع منطق العصر ومتطلباته. ويبدو لي أن توافر النصوص المفتوحة والخواطر وقصائد النثر في "فلسطين الشباب" في مقابل قلة توافر القصص والقصائد الموزونة سواء منها تلك التي تنتمي إلى الشعر العمودي أم إلى شعر التفعيلة، إنما يعود إلى استسهال كتابة النصوص التي لا تتطلب شروطًا فنية محكمة مثل تلك التي تتطلبها القصة أو القصيدة، دون أن أقلل بالطبع من أهمية كتابة النصوص المفتوحة والخواطر، ودون أن أنتقص من أهمية كتابة قصيدة النثر، وبخاصة تلك التي يكتبها شعراء مجيدون لهم شأنهم في كتابة القصيدة بكل أشكالها الفنية المعروفة.
هذه المجلة تفتح أفقًا لجيل جديد، غير أن هذا الأفق بحاجة إلى ريادة واستكشاف وجهد ومكابدة، وعلى المنتمين لهذا الجيل أن يأخذوا على عاتقهم بذل كل جهد ممكن للوصول إلى الغاية المرجوة، وهي تقديم إضافات جديدة نوعية على المشهد الثقافي الفلسطيني المعاصر.

2
في هذه الأمسية، سأقرأ ثلاثة نصوص لكاتبة هي ملك عفونة وقصتها مراسيل، ولكاتبين هما عبد المعطي مقبول وقصته "في السوق"، وشادي أبو جراد وعدد من قصائده النثرية.
وسأبدأ بقصائد شادي أبو جراد، وهي أربع قصائد مكتوبة بلغة متقشفة متحرّرة من البلاغة، ذاهبة إلى التأمل في بعض الظواهر الوجودية كالحياة والموت، مثلما هي ذاهبة إلى اليومي والهامشي لكي تنقله من الهامش إلى مركز النص، ولكي تضيء ما يشتمل عليه هذا الهامشي من سمات لافتة للانتباه، وبما يسهم في تجديد إحساسنا بالحياة، ولتركيز أنظارنا على تفاصيل وتجارب وأشياء كنا نراها ولا نراها، وكانت تحيط بنا ولا نشعر بها، وتملأ علينا دنيانا ولا نعيرها أي اهتمام، وتظل مركونة طيّ التجاهل أو النسيان حتى يأتي الشعر ليميط اللثام عن فحواها، فنشعر بها كما لو أننا نراها لأول مرة.
ولكي يتمكن الشاعر من أداء مهمته الإبداعية من خلال اللغة المتقشفة الخالية من الزخرف اللغوي ومن المحسنات البديعية، فلا بدّ له من الاعتماد على تقنيات فنية قادرة على التوصيل وعلى رصد التفاصيل، ولذلك فهو يعمد إلى المفارقة وإلى الإدهاش وإلى الحذف والإيحاء والاستعانة بتقنية التقابل ولعبة الإضمار والتكثيف والتشخيص وتعزيز النزعة الحسية وتغليبها على نزعة التجريد، وكذلك بسط المشهد الشعري ثم اختزاله في جملة شعرية حاسمة ذات أثر نفسي ملموس.
في القصائد الأربع التي بين أيدينا وفي غيرها من قصائده يعتمد شادي أبو جراد كثيراً من التقنيات التي ورد ذكرها آنفاً، ورغم ما بين القصائد من تفاوت في مستوياتها الفنية، فإنها تشترك في بعض السمات التي بالإمكان ملاحظتها بشيء من التمعن والتدقيق.
في القصيدة الأولى الموسومة بـ "مجاز" ثمة أهجية سياسية لاذعة تتمثل في مناقشة سعر الإنسان وسعر الطماطم في سياق واحد، ما يعني الحطّ من قيمة الإنسان في الشارع المستقيم الذي لا يحب التقاطعات. وهنا نلحظ واحدة من مفارقات القصيدة: فهذا الشارع الموصوف بالاستقامة الذي يرى فيه الشاعر مجازًا للوطن، لا يستطيع أن يمنع رغم استقامته ما يحدث على مقربة منه من التواءات، حينما يتداخل حوار الساسة مع حوار بائعي الخضار حول سعر الإنسان وسعر الطماطم. وهنا في هذه الحالة، تصبح المسؤولية هي مسؤولية الساسة الذين يفقرون الوطن بإفقارهم لإنسانه الذي لا يفترق عن الطماطم في شيء، بل إنهما، الإنسان والطماطم، يشتركان في صفة واحدة هي الاحمرار "خجلا بفعل عوامل السّلَطة"، والسَّلَطة هنا (بفتح السين وتشديدها) تستدعي إلى الذهن كلمة مختلفة في المعنى هي السُّلْطة (بضم السين وتشديدها)، التي راجت في ثقافتنا الشعبية تسميتها بالسَّلَطة (بفتح السين وتشديدها) من باب توجيه النقد لها والسخرية منها.
من حق الشاعر بطبيعة الحال أن يوجه نقداً للسلطة لجهة لفت الأنظار إلى ضرورة صيانة كرامة الإنسان وإيلائه الاحترام اللازم. ولقد استطاع أبو جراد توصيل فكرته في صياغة مكثفة لولا بعض المفردات التي شوّشت إيقاع القصيدة وأضعفته إلى حدّ ما. فالذي يحمرّ هو وجه الإنسان وليس رأسه. وصيغة "بفعل عوامل السَّلَطة" لا تحمل أي قدر من إيحاءات الشعر وجمالياته.
في قصيدة "وقت" يتجسد مفهوم علاقة الزمن بالإنسان على نحو حاسم. فإذا كان صحيحًا أن الزمن هو عدو الإنسان، فإنّ شادي أبو جراد يقول ذلك عبر نص شعري متقشف، حيث "الساعة على الحائط (...) لا تشير إلى أي وقت" وعقاربها التي يفترض فيها أن تشير إلى الوقت، تتحولّ من وجهة نظر الشاعر وأحاسيسه إلى أنصال قاتلة موجهة إليه.
وفي قصيدة "تشكيل" تتبدى قدرة الشاعر على خلق فضاء واسع يمكن للمتلقي تأثيثه بما يشاء من تصورات، وذلك من خلال سبع مفردات:
كل هذا الأثاث المهشم
حولي
تشكيل لخطاياك.
في قصيدة "عاقبة" تبدو سطوة الفكرة على القصيدة أكبر من رصيد الأحاسيس فيها. صحيح أن الشاعر حاول الاشتغال على مفارقة الولادة التي صورها كما لو أنها جريمة تستحق حكماً هو "السجن أبدًا في الحياة". لكن، وكما هو معلوم فإن الإنسان مهما عاش فإنه لا يعيش أبداً، والتشبيه الذي انتهت به القصيدة يبدو ملتبساً بعض الشيء: "أدور حولي مثل كلب يبحث عن نباح". ربما لو كان الكلب يبحث عن سبب للنباح، لكان الأمر أكثر إقناعاً.

3
تكتب ملك عفّونة قصة سردية بلغة جميلة، ويضفي عليها ضمير المتكلم الذي اعتمدته الساردة حالة من الصدقية وحرارة المشاعر، كما يمكنها من خلق حالة من التفاعل بين بطلة القصة التي هي الساردة نفسها والقراء. وتبدأ الكاتبة قصتها بجملة موحية قادرة على شحن القصة بعناصر التشويق وخلق التوقعات، حيث تقول: قطعًا، لم تكن صدفة، فلا مكان لصدفة على تلك الدرجة من الإتقان، أن تضرب لي موعدًا مباغتًا مع الفرح...الخ". بعد ذلك تصف الكاتبة في ثمانية عشر سطرًا متتابعة نهوضها من سريرها والتوجه إلى النافذة بحثًا عن الأوكسجين بعد أن شعرت بأن جسدها محتاج إليه. ومن ثم لم تظفر بالأوكسجين فقط وإنما كذلك بإشارة موسيقية خطفتها من أذنيها ونفضت الغبار عن حواسها.
بعد هذا الوصف المتقن لحالة الفتاة التي ظفرت بالهواء والموسيقى، تبدأ الكاتبة في تسريب شيء مما تريد أن تقوله عن بطلة قصتها، حيث نعلم أن من يعزف في هذا الليل هو الشاب الأسمر الذي تعرفت إليه من قبل في الجامعة، فأبدت إعجابًا به وميلاً إليه، مثلما أبدى هو إعجاباً بها وميلاً إليها، لكنهما لم يتبادلا الكلام مرة واحدة. وها هو يقيم منذ شهرين في بيت قريب من بيتها، ولم تكن تعرف ذلك إلا هذه الليلة حينما سمعته يعزف على العود لتسمعه ولتعرف أنه جارها.
وهي تتذكر حينما كانت عائدة إلى بيتها كيف رأته جالساً على حافة حجرية، فما كان منها إلا أن جلست بقربه، وراح يعزف لحن أغنية: مراسيل، التي غنتها الفتاة سرًّا ثم جهرًا، ومع ذلك لم تكلمه ولم يكلمها. لكنها رأت على شفتيه نصف ابتسامة، ثم غادرته وأكملت طريق العودة إلى بيتها.
الآن، بعد شهرين يكمل الشاب المعزوفة نفسها التي سمعته يعزفها من قبل، والآن تطلق الفتاة ابتسامتها التي تأخرت شهرين وتغني: مراسيل...مراسيل، وهي تهز رأسها طربًا، بما يوحي أن وقت الخجل والتهيب قد ولى إلى غير رجعة، ولم يبق سوى إتمام اللقاء بين الحبيب الشاب وحبيبته الشابة.
ورغم أن حبكة القصة تبدو مترابطة في الظاهر، فإن أسلوب المعالجة الرومانسية تجعل هذه الحبكة مفتقرة إلى الإقناع. حيث تلعب الصدف والمفاجآت في القصة دورًا ملحوظًا، وتصبح هي العنصر المحرك للأحداث والمسؤول عن تفاصيلها وتطورات هذه التفاصيل. وفي هذه الحالة يتوجب على المتلقي الإذعان لرغبة الكاتبة في تغييب بعض التفاصيل اليومية وإظهارها في اللحظة المطلوبة، فالشاب يغيب مدة شهرين ولا تدري الفتاة إلى أين ذهب، ثم تكتشف أنه جارها طوال هذه المدّة. وعند هذا الحد من تطور الحدث القصصي يصبح مسموحًا للفتاة التي كانت تتسربل برداء الخجل على نحو مبالغ فيه، أن تنضو عنها هذا الرداء. بالطبع، يمكن اعتبار إقامة الشاب قريبًا من بيت الفتاة، وإقدامه على عزف المقطوعة الموسيقية نفسها في هدأة الليل، كما لو أنه تعبير عن إصراره على التقرّب منها. ذلك مقبول وجدير برد الفعل الإيجابي الذي عبرت عنه الفتاة، غير أن كل ذلك يتم في إطار من المعالجة الرومانسية التي أصبحت من الماضي بالنسبة لأدبنا المعاصر، فالعلاقات الناشئة بين الشابات والشباب في واقعنا الراهن وما فيه من وسائل اتصال عصرية تتجاوز بكثير هذا التصور المثالي لتلك العلاقات.
غير أن ذلك لا يقلّل من قدرة ملك عفونة على كتابة قصة ذات لغة جميلة وأسلوب رشيق.

4
يكتب عبد المعطي مقبول قصة كلاسيكية تشتمل على الشروط الفنية التي لا بدّ من توافرها في القصة القصيرة. غير أنه يجعل لقصته نهاية مفتوحة، وفي هذا انزياح ملحوظ عن شروط النهاية في القصة الكلاسيكية التي تسعى إلى أن تريح القارئ وتستوعب انفعالاته. هنا نهاية مفتوحة ناجحة، وفيها تحريض للقارئ على توقّع ما سوف يصبح عليه الطفل الذي تعرض للإهانة وأطلق جراء ذلك شتيمة نالت من الذات الإلهية إيذانًا بما سيكون عليه سلوكه في المستقبل.
غير أن سيطرة الراوي العليم بكل شيء على سياق السرد القصصي أثرت سلباً على حيوية القصة وقدرة اللغة فيها على الإيصال. ذلك أن نزعة الإخبار وتقديم المعلومات الجاهزة قلّلت من استثارة مشاعر المتلقي للتعاطف مع الطفل المقهور. فمنذ الأسطر الأولى في القصة يضعنا الكاتب أمام مقارنة جاهزة بين الفقر والغنى، يقول: "هو أيضًا استيقظ من نومه باكرًا، لكنه لم يشرب كوب الحليب، ولا ارتدى ثيابه الأنيقة متوجهًا نحو مدرسته، هم فعلوا، ودعتهم أمهاتهم بقبلة وابتسامة، لكن أمه ودعته بأسى يقطع أواصرها"... الخ.
وإضافة إلى ذلك، فثمة تعميم غير مستحب في هذه الأسطر الآنفة الذكر، حيث لا يعقل أن يكون في المدرسة طفل واحد لم يرتد ثيابه الأنيقة في حين أن بقية الأطفال ارتدوا ثيابًا أنيقة.
ثم تتوالى المعلومات المباشرة التي يقدّمها الراوي العليم للمتلقي: فالطفل لم يغسل وجهه، لأنه يعلم أن صفاءه لن يدوم. والطفل انقطع عن المدرسة منذ وفاة والده، وهو الآن العائل الوحيد لأهله.
بعد ذلك يصف الراوي رحلة الطفل إلى السوق لكي يبيع بضاعته، وكيف أن العربة التي يسوقها تعطّلت ووقفت في وسط الطريق، ما أثار الناس والتجار وجعلهم يصبون جام غضبهم على الطفل. هنا يقع الكاتب في التعميم مرة أخرى، حينما يتحدث عن موقف الناس من الطفل ويقول: "والناس زادت شدة وتيرتها، وعلت أصواتها بالسب والشتم".
ورغم ما يعانيه مجتمعنا من انهيار في القيم ومن تفسخ في النسيج المجتمعي الناتج عن سنوات الاحتلال الطويلة وعن الإحباطات التي سببناها ونسببها لأنفسنا، إلا أن الأمور لا تصل حدّ تعرّض الطفل بطل القصة لأذى شديد يصل حد الضرب والإهانة من صاحب الملحمة بسبب تعطل العربة في الطريق، دون أن يتدخل أحد لمساعدته أو لرفع الظلم عنه. الموقف الوحيد الذي يتبدّى في القصة تجاه كل ما وقع للطفل، هو ظهور الراوي للمرة الأولى مستعينًا بضمير المتكلم ليخبرنا أنه كان يرقب المشهد من بعيد ولا يحرّك ساكنًا! والسؤال: لماذا لم يحرك ساكناً؟ وما دلالة هذا الحياد غير المفهوم؟ ثم إن الراوي لم يكتف بالوقوف على الحياد، بل إنه صادر حق الطفل في الكلام. لم نستمع لكلمة واحدة تخرج من بين شفتي الطفل احتجاجًا على الأذى الذي تعرض له. وحينما استبد به الغضب وتلفظ بشتيمة قاسية، ظل محجوزًا خلف كلمات الراوي الذي نطق نيابة عنه حينما أخبرنا قائلاً: سمعته يقول شيئًا، ركزت السمع، إلى أن هزتني الكلمات، وجدته يسبّ الذات الإلهية لذاك اللحام، ولكل الواقفين...الخ، وبالطبع فثمة خلل لغوي في صيغة الذات الإلهية لذاك اللحام، كان ينبغي الانتباه إليه، فالذات الإلهية هي لله نفسه وليست للحام.
وبالطبع، فقد كان الكاتب معنيًّا بمراكمة كل هذه التفاصيل التي اتخذت منحى إخباريَّا لكي يصل إلى النهاية الجيدة التي أنهى بها قصته. لكن نزعة الإخبار والاعتماد الزائد عليها قلّلت من جدارة المستوى الفني للقصة.

المصدر:

الاثنين، 15 غشت 2011

أحلام مغتالة

                                               أحلام مغتالة
مصطفى ملح
آهِ لو كنتُ في صِغَري  بجواربَ مَنْسوجَةٍ منْ وَبَرْ


 1

كُنْتُ أَحْلُمُ في صِغَري.. لَوْ يَطولُ الصِّغَرْ
لأُجَمِّعَ بَعْضَ المَحاراتِ.. من عَرَصاتِ الجُزُرْ
غَيْرَ أَنَّ القِطارَ سَريعٌ
وزَهْرُ المَحَطَّةِ داَسَتْهُ رِجْلُ المَدينَةِ.. قَبْلَ انْطِلاقِ السَّفَرْ

كنتُ أحلمُ في صغري بحذاءٍ جديدٍ،

بوزرةِ صوفٍ كباقي التّلاميذِ،

أحلمُ أيضاً بِطائِرَةٍ منْ ورقْ

وكثيرٍ منَ اللّعبِ العابِثَهْ
وبمُشْطٍ يُسَرِّحُ شَعْرَ بَناتِ الغَجَرْ

غيرَ أنَّ المعلّمَ يطردُ حلمي ويمسحُ أجملَ أنثى

أصوّرها في هوامشِ كرّاستي... بِعَبيرِ الزَّهَرْ

آهِ لو كنتُ في صِغَري

بجواربَ مَنْسوجَةٍ منْ وَبَرْ

وقميصٍ يقيني من البردِ

لكنَّ بائعةَ الحلمِ مغلقةُ العَيْنِ

والوَشْمُ في يَدِها شاخَ

والحُلْمُ يَدْفِنُهُ اللّيْلُ تَحْتَ رَمادٍ البَشَرْ..
2


 ..
وأبي كانَ يضربني حينَ أخطىءُ،

يضربني بعصاهُ التي كانَ يصنعها من جِراحِ الشَّجَرْ

حينَها كنتُ أزحفُ نحوَ فراشي وأبكي كَقيثارَةٍ دامِعَهْ.

كنتُ يومئذٍ أعرفُ اللّهَ جدًّا،

أقولُ لهُ دائماً: إنَّ هذي القصيدةَ تتعبني،

غيرَ أنّي سأحملها ثمَّ أصعدُ فوقَ أَعالي القَمَرْ!
3


حينَ كانَ أبي يحرثُ الحقلَ تتبعهُ  غَيْمَةٌ من طُيورِ البَقَرْ
وابِلٌ من مَناقيرَ تَلْتَقِطُ الدّودَ بيْنَ الأَخاديدِ
ثُمَّ تَطيرُ مُحَلِّقَةً.. في حَذَرْ

كانَ.. كانَ يضيء الخريفُ سماءَ قبيلتنا

بفوانيسَ يُـحْرَقُ داخلها زيتُ أَفْئِدَةٍ منْ حَنينٍ

فيشتعلُ اللَّهَبُ المُتَوَتِّرُ برقاً، فَبرقاً...

وكنتُ كَذَلِكَ أَمْرَحُ عِنْدَ السَّحَرْ

بمحاذاةِ خمِّ الدّجاجِ اللَّصيقِ بإصطبلِ أَحْصِنَةِ العائِلَهْ

حَشَراتُ العَشِيَّةِ أَصْطادُها بِارْتِعاشِ يَدي

بِالحَصى.. والمَواويلِ.. والرَّمْيَةِ القاتِلَهْ..

ثُمَّ كنتُ أهيِّجُ كلبَ الرُّعاةِ

فَأَرْميهِ كلَّ صباحٍ بِأَتْرِبَةٍ وحَجَرْ..

كانَ ينبحُ؛

كانَ كذلكَ يوقظُ في جسدي أَلْفَ جَرْوٍ عَنيفٍ؛

جِراءُ الغَريزَةِ أكثرُ عنفاً،

تُصَرِّخُ في غَضَبٍ ثُمَّ بَعْدَئِذٍ تَنْفَجِرْ..

كنتُ أَيْضاً أساعدُ جدّي:
 أُقَشِّرُ جِلْدَ خُرافاتِهِ
بِالأَظافِرِ والحَدْسِ والرَّعَشاتِ ..ودَمْعِ الحَواسِّ النَّضِرْ
كُنْتُ أنْشُرُها في فَمِ الرّيحِ مَغْسولَةً

للحفاظِ على لمعانِ بطولتها

والحِفاظِ على سِرْبِ غيلانِها

حينَ تَنْبَحُ تَحْتَ المَطَرْ!

4


ولأنّ خريفَ الطّفولةِ أكثرُ ريحاً

لأنَّ الطّبيعةَ أَقسى

لأَنَّ الإلهَ كما أَخْبَرَ الجَدُّ: أعلى وأعلى وأعلى،

فقدْ كنتُ أَصنعُ من وَحَلِ الطُّرُقاتِ

تماثيلَ شتّى لِصَفْصافَةٍ وُلِدَتْ في حقولِ العُمُرْ !
5


كنتُ أحلمُ في صغري

بجناحٍ خفيفٍ كباقي العصافيرِ في الحَقْلِ،

كنتُ أقولُ: لماذا تفرُّ الحمائمُ من قََبَضَاتِ يَدي،

وتهاجرُ أعلى فأعلى...؟
لِماذا يَموتُ النَّشيدُ المُسالِمُ فوقَ شُروخِ المَرايا،
وتَسْحَبُني كَفُّ هذا الزَّمانِ القَذِرْ...؟

كانَ.. كانَ أبي حينَ يحزنُ يتركني في السّريرِ كقطعةِ ثلجٍ،
كظِلٍّ بِزاوِيَةٍ.. أوْ مَمَرْ،

ثُمَّ يدفعُ أمّي لتبحثَ عن فرحٍ نائِمٍ تَحْتَ عُشِّ القَدَرْ..

كانَ يروي لنا قصصاً،

غيرَ أنَّ ليالي الشّتاءِ الطّويلةَ تطرقُ بابَ القصيدةِ،

لمْ تكُ في بيتنا أيُّ مدفأةٍ،

أو كتابِ عروضٍ،

ولمَ تكُ ثمّةَ كِسْرَةُ حُلْمٍ ولا دَمْعُ أُغْنِيَّةٍ. .أو صَهيلُ وَتَرْ..

غُرَفُ البيتِ دائِمَةُ البردِ دائمَةُ الحزنِ،

لكنّني كنتُ يومئذٍ أعرفُ اللّهَ جدّاً

أقولُ لهُ دائماً: إنَّ هذِي القصيدةَ تتعبني،

غيرَ أنّي سأحملها ثمَّ أصعدُ فوقَ أعالي القَمَرْ!
6


حينَ تغسلني في البُحَيْرَةِ أمّي

وتدلكُني بيدينِ حَنونَيْنِ نّاعمتينِ،

تُطِلُّ عليَّ ابنةُ العَمِّ،

تقرأُ عُريي الخجولَ المُبَعْثَرَ حرفاً فَحرفاً

أَمامَ عُيونِ النَّهارِ،

وكانتْ خَديجَةُ تكبرني بثلاثينَ حلماً وتفّاحتينِ على صدرها!

كُنْتُ أَحْلُمُ لو شَعْرُها وَتَرٌ

لأُداوِيَ جُرْحَ الأَصابِعِ بِالنَّغَمِ المُقْتَدِرْ..

كنتُ أحلمُ لو يسعُ الماءُ ماءُ البُحَيْرَةِ

جِسْمي وجِسْمَ خَديجَةَ

كَيْ نَتَغَنّى مَعاً فَرَحاً بِاحْتِلالِ خَليجِ الصِّبا،

بِأكُفٍّ تُصارِعُ مَوْجَ الرٍّياحِ.. ولا تَنْكَسِرْ!

7


ها هو اللَّيْلُ يَصْعَدُ.. والشَّمْسُ تَغْرَقُ في الهاوِيَةْ

ها هُوَ الـحُلْمُ فَوْقَ فِراشِ الدُّجى يُحْتَضَرْ

كَبُرَ الطِّفْلُ.. يا وَيْلَتي!

صَغُرَ الحُلْمُ.. يا وَيْلَتي!

آهِ لَوْ سَمَحَ الدَّهْرُ.. ما ذَبُلَتْ شَجَراتُ العُمُرْ!

مصطفى ملح - المغرب
  
المصدر:http://watariat.almihlaj.net/news.php?action=view&id=173


الأحد، 14 غشت 2011

مُولْ الَحْدِيدْ وْمُولْ الصَّلْصَالْ


مُولْ الَحْدِيدْ وْمُولْ الصَّلْصَالْ
                                               محمد قاوتي








الْعَرْبِي وَاَحْمَدْ زُوجْ عَطَّارَه فَ الْبَوَادِي، وَبْزُوجْ اصْحَابْ،
بْزُوجْهُمْ مَنْ دُوَّارْ وَاحَدْ، بْزُوجْ مْزَوّْجِينْ بْالاَخْوَاتَاتْ، بْزُوجْ احْبَابْ،
بْزُوجْ كَيْعَاوْنُو بَعْضِِيَّاتْهُمْ مَلِّي يْسَلْكُو بْلاَدْ السِّيبَه، وْمَا يْزَطَّطْهَا إلاَّ زَطَّاطْ،
مَلِّي يْوَصْلُو بْلاَدْ الأمَانْ، كُلَّ فِيهُمْ كَيْشَدّْ طْرِيقْ، وَيْسُوقْ الَبْهِيمَه بَالزَّلاَّطْ،
كُلَّ فِيهُمْ دَايْرْ فْ بَالُه وَقْتْ الْمِيعَادْ الِّي ادَارُو،
كُلَّ فِيهُمْ يَحْتَاجْ لاَخُرْ، بَاشْ يَرْجَعْ سَالَمْ لْدَارُه.

* / *

وَخَّى هُمَا نْقُولُ عْلِيهُمْ كَتْبُو الْخَاوَه بَيْنَهُمَا، عْلَى طُولْ الْعَهْدْ،
كُلَّ فِيهُمْ مْطَبَّعْ بْشِي، مَتْمَيَّزْ بِهْ عْلَى الآخَرْ، وَاضَعْ الْحَدّْ،
الْعَرْبِي قَاسَحْ فَ التِّجَارَه، اِلاَ بَاعْ يَرْبَحْ بْالَمْثَنِّي،
اَحْمَدْ دِيمَا كَيَتْسَاهَلْ، اِلاَ بَانَتْ لُه فُضَيْلَه يْغَنِّي،
الْعَرْبِي اِلاَ بَاعْ الْحَلاقَاتْ مَا يْقَايَضْهُمْ غِيرْ بَالاَّوَانِي ـ وَلَّى مَعْرُوفْ ـ
اَحْمَدْ مْسَلَّكْ، قَادّْ يْقَايَضْ حَتَّى الْمُونَادَه الرُّومِيَّه بْحَفْنَه دَ الصُّوفْ،
الْعَرْبِي دِيمَا مْكَتَّفْ يْدِيهْ «يْخَصّْنِي نْخَلِّي عْلاشْ نْوَلِّي، مَلِّي نَگْضَى وْتُغْرُزْ الْعَيْنْ!»
اَحْمَدْ كَيْقُولْ «الله يَرْزَقْنَا وْيَجْعَلْنَا فِيهُمْ غِيرْ سْبَبْ، وْمَا نْفَرْحُ تَى يْفَرْحُ الاُخْرَيْنْ»
الْعَرْبِي هَكْذَا وْهَذَا طَبْعُه، دِيمَا يْفَكَّرْ غِيرْ فْ رَاسُه، هُوَّ الأوَّلْ وْعَادْ يْشُوفْ،
اَحْمَدْ هَكْذَا وْهَذَا طَبْعُه، الاُخْرَيْنْ بَعْدَ، عَادَ رَاسُه، بَشْكَلْ عَادِي، بْلاَ تَكَلُّفْ.

* / *

صَادَفْ مَرَّه، الْعَرْبِي وَاحْمَدْ عَنْدْ الْمَوْعِدْ، بَاشْ يْرَجْعُو بَالسَّلامَه وَدْوَامْ الْحَالْ،
كُلَّ فِيهُمْ بَاشْ مْقَايَضْ، الْعَرْبِي شْوَاريهْ عَامَرْ حْدِيدْ، وَاَحْمَدْ مْعَمّْرُه بَالصَّلْصَالْ،
اَحْمَدْ اشْفَقْ عْلَى الدّْحَيَّشْ، مْثَقَّلْ حْدِيدْ، بَايَنْ مَنْ فِينْ، غَادِي وَيْنِينْ وَعْلايْنْ يْمُوتْ،
قَالْ لَلْعَرْبِي «هَاكْ هَا بَغْلِي حَمَّلْ عْلِيهْ، أنَا عَنْدِي غِيرْ الصَّلْصَالْ، دْحَيّْشَكْ قَادَرْ عْلِيهْ وَيْفُوتْ!»
تْبَادْلُو بْلَبْهَايْمْ وْسَارُو، تَى وَصْلُو لْوَادْ غَادِي وْيَحْمَلْ،
الِّي بْغَى يْقَطْعُه بْلاَ مَا يَفْزَگْ، خَاصُّه يْقَطْعُه رَاكَبْ جْمَلْ،
عَبْرُو غُرْقُه، لْقَوْ الَبْغَلْ قَادَرْ يَسْلَكْ، وَيْدُوزْ بَالشّْوَارِي فُوقْ الْمَا،
عَاوْدُو عَبْرُو، بْدَاوْ يْفَكّْرُو كِيفْ يْسَلْكُو بْلاَ خَسَارَه، قْبَلْ الظَّلْمَه،
بَايْنْ بَالِّي صَلْصَالْ احْمَدْ خَاصُّه يَسْلَك مْعَ الَبْغَلْ، تَى نْطَقْ الْعَرْبِي بْلاَ حَشْمَه،
«وَاِيَّاكْ تْگُولْ أرَى الَبْغَلْ! ارَى انْتَ يَا سَلَّفْتِهْ لِيَّ! وَفْ بَالِي تْعَاطِينَا الْكَلْمَه!...»
«... اِلاَ رَدِّيتْ لَكْ دَابَا الَبْغَلْ وَسْلَكْتْ عْلَى ظْهَرْ الدّْحَيَّشْ، غَادِي يْصَدِّي لِيَّ الَحْدِيدْ!...»
«... غِيرْ مُتْ مْعَيَ فَ الْكَلْمَه!» وْمَا خَلَّى شِي لْمُولْ الصَّلْصَالْ فِينْ يَتْكَلَّمْ أوْ فِينْ يْزِيدْ!
وَاَحْمَدْ غَالْبَه فِيهْ طْبِيعَه، قَالْ «غِيرْ انْدَهْ! سَمِّي اللهْ وَاللهْ يْسَخَّرْ!...»
«... اِلاَ بْغَتْ تْجِي غِيرْ فَ الصَّلْصَالْ، يَخْلَفْ اللهْ! يَبْقَى الصَّاحَبْ بَعْدَ مْدَخَّرْ!»

* / *

مْعَ قْطُوعْهُمْ جَاتْ الْحَمْلَه، ذَابْ الصَّلْصَالْ، خَفّْ الدّْحَيَّشْ، عَافَرْ بَاحْمَدْ وَسْلَكْ الْوَادْ!
الَبْغَلْ وْحَلْ حِيتْ مْثَقَّلْ، الْعَرْبِي حْصَلْ، مَا نْجَى لاَ هُوَّ لاَ حْدِيدُه، حَتْلُو كَامْلِينْ فِي غُرْقْ الْوَادْ!
/index.php?option=com_content&view=article&id=8345:2010-11-21-12-29-53&catid=91:2010-04-23-11-38-49&Itemid=160

قراءة في ديوان «أقول الحرف وأعني أصابعي»

                        قراءة في ديوان «أقول الحرف وأعني أصابعي»











تعرية الحرف وفك أسره
الأدب موضوعة جمالية واستجابة ذاتية لأثر الأشياء في النفس، ولا يعني هذا أنّ الأدب قد يتخلّى عن البنية العقلية والأخلاقية، إنما ميدانه هو أكثر الميادين المعرفية تبايناً في الآراء وتوليداً للرؤى المتغايرة، كونه موضوعة جمالية، فيأخذ من النفس حركيتها الانفعالية تجاه الجمال ويأخذ من العقل الثبوتية النسبية، وهذه الخلطة المعرفية تجعل الأدب لا يلتزم الزمان والمكان في قضية الاستجابة الجمالية.
ومن هنا نجد الشاعر أديب كمال الدين يحضر بحضور تجربته الشعرية الكبيرة. بيد أن حضوره يتركّز على بناء رؤية خاصة به. وهذا يكون من خلال البناءات الشعرية المتوالدة (أقول الحرف..) ويعني الصورة الصوتية (الدال)، (وأعني أصابعي) ويعني الصورة الحركية (المدلول)، وجملة المعنى هي الحركات، فالحرف ساكن بصورته المرسومة في الذهن والأصابع متحركة. إذن أحرف أديب كمال الدين بين أصابعه تتخلّق منها صور المعاني المتحركة. وهذه الحمولة كفيلة بجعل الأحرف- كتحصيل حاصل- متحركة في المساحات الشعرية المفتوحة بتحريض من تجربته، لذا تنفعل انفعالات معقلنة لاستجابات الجمال الذي تبحثه رؤاه التي قولبها ضمن عنونة الديوان (أقول الحرف/ وأعني أصابعي) حتى النزول إلى المتون التي تعجّ بالكثير من المفارقات، وتعكس تيه مسار الشعر، إذ إنه مشروع لم يزل يتخلّق في أصابع الشاعر ولم يكتمل بعد، فبعد ستة أخطاء في قصيدة (ثمّة خطأ) نجد أن هذه الأخطاء في النقطة السابعة، قد تكون، هي أخطاء الإنسان نفسه، وبما أن الشاعر إنسان، فهو يقول: (ثمّة خطأ يشبهني تماماً)، ورغبة الشاعر الجامحة تدفعه إلى تعرية الحرف وفك أسره كي يؤدي رقصة توالد الأسئلة والتي تؤرقه كثيراً، حيث يقول:
(وأنا لا أعرف من أنا؟) والإجابة تكون ملؤها القلق: أهو المصلوب في أورشليم أم المصلوب على جسر الكوفة أم طوطم أفريقي أم حرف ضال، هذه الإجابات (التي جاءت بشكل أسئلة) إنما هي إجابات افتراضية لا تعانق أرض الواقع سوى أنّ هذا الحرف ممسوس ترقص حوله الحروف المجردة من النقاط والمعاني. وهي تشكيلة تبقى عائمة في البحث الرؤيوي للشاعر، ويبقى المعنى يتنقل عبر قصائد ديوانه بأوجه كثيرة ومتعددة مما دفعني إلى محاولة تسمية هذا الديوان ب-الكتاب الشعري-، أي أن قصائده أشكال أو أوعية لمعنى يتنقل بخفّة بين هذه الأشكال ولا يحاول المكوث في أيّ منها. ففي قصيدة (العودة من البئر) نجد فيها مفارقةً، كون الشاعر يؤكد (انني لم أعد بعد) (انني أحلم أن أعود إليك) والقصيدة تناص مع قصة يوسف (ع) التي مازالت تتفاعل مع التقلبات الاجتماعية عبر العصور، وهكذا فانه ترك الباب مفتوحا للذين يودّون الاتعاظ ونأى بنفسه أن يكون واعظا، لأنه شاعر لا تعنيه اكتمال الصورة إنما البحث في متاهاتها ومتعة الاكتشاف، لذا يؤكد (إني أنا الحلاج):
(لا تقتربْ من ناري!
من نارِ قلبي وسرّي،
فإنّي أخافُ عليكَ من النار:
من دمِها ولوعتِها وضوضائها،
فكنْ على حذرٍ
أيّهذا المعذّب بالشوقِ والليلِ والأهلّة،
أيّهذا الغريب الذي يجددُ غربته
بدمعتين اثنتين
في كلِّ فجرٍ
وفي كلِّ ليلة.
لا تقتربْ!
أخافُ عليكَ من الصلب
وما بعد الصلب.
أخافُ عليكَ ممّا ترى
ولا أخافُ عليكَ ممّا لا ترى.)
فالحلاج صُلِبَ ومات والشاعر يخاف ما بعد الموت، لذا يحاول التحذير بقوله:
(لا تقتربْ!
أيّهذا الحُروفيّ الذي يقترحُ الحرفَ اسماً
لكلِّ شيء
ويسمّي الأنبياءَ بالأحبّة
والشموسَ بالأهلّة
والسرَّ بالبلْبَلة
والنارَ بالقبسِ الموسويّ
ثم يمضي من النهرِ إلى الصحراء
ومن الصحراء إلى البحر
ومن البحرِ إلى الموت،
أعني إلى النار
وهو يحملُ جثّته فوق ظهره.)
هذا المسار الحروفي لا يقرّ له قرار بعد، فالأحرف عند أديب كمال الدين معتمة معرّاة يضيئها بالنقاط ويدفعها في طريق اكتمال الجمل بالكلمات، عسى أن تكون أكثر ملائمة للمعنى لهذا كرر كلمة (لا تقترب!) خمس مرات، ليؤكد فلسفة الاحتراق والموت ورغم هذا فهو يرقص في الألم ويتناسخ مع الحلاج وزوربا. فمع الأول يكون حلاجَ الألفية الثالثة أي الانفعالية العقلية، ومع الثاني يكون موسيقياً أي زوربوياً في الألفية الثالثة، أي وسط الانفعالية العاطفية المهذبة. وبين هذا وهذا يبقى محتجا بكلمته (سحقا إذن للموت!) ويستمر في الرفض بتكرار كلمة (لا) سبعة عشر مرّة، ليكون ألقاً في الحياة. وبهذه الجرأة الانفعالية خاطب صديقه المرحوم الشاعر رعد عبد القادر بصور شابها القلق والاحتجاج ثأراً لصديقه الجميل:
(لم تعدْ هناك شمسٌ، إذنْ،
فوق صقرك.
ولم يعدْ هناك صقرٌ، إذنْ،
فوق شمسك.
صقرُكَ حلّقَ عالياً عالياً
بعدما سقطتْ شمسُكَ في البحر
ولم تكنْ هناك آلهةٌ لتستقبلها
ولا أنبياء
ولا مريدون
ولا مهرّجون!)
وكأنه يخاطبه بمقولة ما بقي منك هو هذا الذي يؤرق حالي كـ(غزال أكل قلبه النمر) ومشكلته النَص...
(فالنَصّ لا يعرفُ مَن يتنفسه
في كلّ لحظة
ويتألقُ به وسط الظلام
في كلّ لحظة
وينبضُ به في كلّ لحظة.
أنتَ،
وأنتَ فقط،
يعرفُ مَن يقرأ النَصّ
دون أن يسبر غوره)
إذن الدعوة لقراءة جمالية موسيقية ذوقية مسألة مستحيلة عنده دون الانشغال بالمعنى، ومن هنا انتقل إلى شاعر كبير هو محمود البريكان المعتزل عن الحياة وساحتها حيث لا تحلو له الألفة إلا مع الحرف والكلمة، فانقلبت مائدته خلسة في الزمن المجدب لتبقى قصيدته الرائعة (حارس الفنار) شاهداً وشاهدة:
(فلقد ذهبَ الذي اعتزلَ وما نجا
والذي أنفقَ العمرَ كلّه
يخدمُ الحرفَ كلّه
ويبسمله كلّ ليلة
بالياءِ والسين.
ذهبَ بعد أن رقص
مع الزائر المجهول
عارياً كنبيّ
عارياً يحملُ بيديه الضعيفتين
رأسَه المقطوع!)
وفي قصيدة (اليد) راح أديب كمال الدين في متواليات شعرية مدهشة في نتائجها جاءت متساوقة مع رؤاه عبر مسيرته الشعرية الطويلة، يقول:
(في الطفولة
فتحتُ يدَ الحرف
كي أجدَ قلمَ حبرٍ أخضر
فوجدتُ وردةَ دفلى ذابلة.
وفتحتُ يدَ النقطة
فوجدتُ دمعةَ عيدٍ قتيل.
وفي الحرب
فتحتُ يدَ الحرف
كي أجدَ طائرَ سلامٍ
يرفرفُ فوق روحي التي أربكها
مشهدُ الدم،
فوجدتُ حفنةَ رمادٍ
وقصيدة حبّ مزّقتها الطلقات.)
والظاهر انه وجد قصيدته في منفاه تكتمل فيها لوحة الحب، رغم ما يعانيه من الشد والتوتر في إرهاصاته الذاتية والموضوعية:
(فوجدتُ نفسي
أكتبُ قصيدتي التي لا تكفّ
عن الاحتفاءِ بالبحرِ والحبِّ والشمس
رغم العواصفِ والصواعق
وأشلاءِ السفنِ التي سدّتْ عليَّ الأفق
من السرّةِ حتّى العنق.)
وضمن هذا السياق سجّل الشاعر (وصية حروفية) حملت الكثير من تجربة الشاعر مع الحرف والكلمة:
(وحين يشتعلُ الحرف
من الموتِ والحبّ
(وكثيراً ما يشتعلُ الحرف
من الموتِ والحبّ)
ضعْ إصبعكَ على شفتيكَ علامةَ السكوت
وابدأْ كتابةَ القصيدةِ فوق الماء!)
ويبدو انه منشغل تماماً بالحرف والشروع في كتابة قصيدة هي المشروع الشعري المهم لديه بعد أن قام بأنسنة الحرف وجعله صنواً له، ليخفف من خشيته في كتابة القصيدة فوق الماء، غير أنه صرّح لأول مرة برؤية منحازة لقضية الحسين (ع)، لأنه هو-أي الحسين- سرّ من أسرار الحرف كما يقول الشاعر نفسه:
(ورأسكَ ينهبُ التاريخَ نهباً
بدمه الطيّب الزكي
ليكتب سرّاً لا يدانيه سرّ،
ليصبح اسم الشهيد له وحده
سرّاً لا يدانيه سرّ:
سرّ الحاء والسين والياء والنون)
إذن حروف اسم الحسين من الحروف المقدسة عند الشاعر التي تشعل الحب الحقيقي في النفوس المطمئنة للحق الإلهي والتي أصبحت لائحة يُحتذى بها في التضحية والفداء من أجل كرامة الإنسان وحفظ كلمة الحق.
وكما هو منشغل في كتابة القصيدة، ينقل لنا لوحات الحياة ومشاهدها وانشغالات الإنسان في إيجاد دالة بين الموت والحياة، غير أن انشغالاته الأخرى قد تلهيه عن أشياء الطبيعة الضاجّة بالمعاني والعطاءات.
إذن أغلب أدب أديب كمال الدين إنما هو أدب تجربة وليس أدب مناسبة، إذا جاز لي التعبير بهذه الصورة، وهي نتيجة مستحصلة من مسيرته الشعرية المستمرة. ونلاحظ عليه أنه كثيراً ما استفاد من تجاور الأجناس الأدبية وجعل قصائده مخاضاً لهذا الاختلاط والعبور من مناطق الشعر إلى مناطق السرد متوخياً الاحتفاظ بالسياق وباعتبار الأدب مسألة جمالية تنطوي على الارتكاز في اختيار الألفاظ وإحكام الصياغة كي يكون- أي الأدب- تعبيراً عن تجربة صادقة قادرة على التواصل مع الآخرين.
 


المصدر:
 

                      مع الشاعرة مليكة المعطاوي


أسعى إلى  الكتابة عن الهامشي والمنفلت
تؤكد الشاعرة المغربية مليكة المعطاوي في حوار مع بيان اليوم، على أن طموحاتها تتجلى في مواصلة كتابة قصائد بحجم المشاعر الإنسانية الراقية، لكنها لا تغفل الحديث عن الصعوبات التي واجهتها خلال طبع باكورتها الشعرية «أسرار الظل الأخير»، إلى حد أن ذلك يجعلها «تخمم مائة تخميمة وتخميمة» قبل الإقدام على طبع عمل ثان.

* ما هو حافزك على الممارسة الإبداعية؟
- تعود حوافزي على الممارسة الإبداعية، بكل ألوانها وأهازيجها وغيومها وأحلامها، إلى طفولة انفتحت فيها وحيدة على عوالم مختلفة، كان زادي فيها أوراق وأقلام وكتب تنخرها الأفكار، بعدما سقطت شجرة بحينا، فلفتني موجة من الغبار تهت في عتمتها طويلاً. وحده الحرف كان سراجي، فرحي وبكائي، معه كنت أتقاسم كل اللحظات، وكنا معاً نترجمها في صور ضبابية ونعطيها أسماء غير الأسماء، به كان يتوهّج القلب ويعانق كل الأطياف والظلال، يحاورها، يسامرها ويمنح الروح أفقاً تحلق فيه وتقتبس من ضوء الإبداع.

* ما هي القضايا التي تفضلين تناولها في إبداعاتك؟
- أجدني في بؤرة أحداث النفس الإنسانية، في كل ما هو وجداني، فلسفي عميق. أكتب عن آلام الإنسان وهمومه وجراحاته ومعاناته. أكتب عن الهامشي والمنفلت، وعن الصراعات الداخلية التي يعاني منها الإنسان، لكن هذا لا يمنع أن هناك قضايا تقتحمني، تفرض نفسها عليّ خارج هذا الإطار.

* لماذا اختيار كتابة الشعر دون غيره من الفنون الأدبية؟
- الشعر قلم بوحي الخاص، لكن ما يعني الآخر يعنيني أيضاً، لهذا أحاول أن أعبر عن خلجاته وأجعله يجد نفسه أو بعضه فيّ.
أنا لم أختر هذا الشعر، هو الذي اختارني ولا أدري كيف تسرب إلى مساماتي من بين النظريات العلمية والأشكال الهندسية، فحفر عميقاً وتوغل. قد يكون بسبب قراءاتي الكثيرة وعشقي الكبير للشعر، فهو بمثابة الروح للجسد، والهواء للإنسان، وقد يكون جاءني من بركان تفجر بداخلي منذ الخطوات الأولى على درب الوعي بالأشياء وامتصاص ألم الحياة.

* كيف عشت تجربة النشر؟
- بعدما ينتهي المبدع من معاناة الكتابة ومخاضها الدائم، يجد نفسه في دوامة النشر والتوزيع. في هذا المجال لم تخل تجربتي من مشاكل، ويكفي أن أقول إن ديواني «أسرار الظل الأخير» لا وجود له إلا في مكتبات الرباط، وبالتحديد في مكتبة الألفية الثالثة، ومكتبة دار الأمان، ومكتبة دار الفكر، فمسألة التوزيع ضرورية ومهمة لانتشار العمل وتشجيع المبدع. مازالت المسألة تطرح علي ألف سؤال.

* ما هي أهم طموحاتك في المجال الإبداعي؟
- طموحاتي هي أن أواصل كتابة قصائد بحجم المشاعر الإنسانية الراقية، أن أكتب من أعماق كياني بدون ضغط ولا عجلة، أن أصل إلى ملء نضجي الفني وأحلق عالياً في قمم الإبداع، فينساب الشعر صافياً رقراقاً. وبطبيعة الحال أتقاسم ما أكتبه مع الآخر عبر دواوين تمنح الشعر العربي إضافات جديدة.
أطمح أيضاً أن أكمل كتابة رواية كنت قد بدأتها منذ سنوات، ومازالت أحداثها عالقة بجدران الذاكرة، لا تريد أن تتحرر. 

المصدر:

 

رسالة غارسيا ماركيز يودع فيها العالم

                       رسالة غارسيا ماركيز يودع فيها العالم



اعتزل الروائي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز الحياة العامة لأسباب صحية بسبب معاناته من مرض خبيث... ويبدو ان صحته تتدهور حالياً ومن على فراش المرض أرسل رسالة وداع الى اصدقائه، ولقد انتشرت تلك الرسالة بسرعة، وذلك بفضل الأنترنت.. فوصلت الى ملايين الأصدقاء والمحبين عبر العالم.. هنا نص الرسالة.
"لو شاء الله ان ينسى انني دمية وان يهبني شيئاً من حياة أخرى، فانني سوف استثمرها بكل قواي، ربما لن أقول كل ما أفكر به لكنني حتماً سأفكر في كل ما سأقوله..
"سأمنح الاشياء قيمتها، لا لما تمثله، بل لما تعنيه..
سأنام قليلاً، وأحلم كثيراً، مدركاً ان كل لحظة نغمض فيها أعيننا تعني خسارة ستين ثانية من النور..
سوف اسير فيما يتوقف الآخرون، وسأصحو فيما الكل نيام..
لو شاء ربي ان يهبني حياة أخرى، فسأرتدي ملابس بسيطة واستلقي على الارض ليس فقط عاري الجسد وانما عاري الروح ايضاً..
سأبرهن للناس كم يخطئون عندما يعتقدون أنهم لن يكونوا عشاقاً متى شاخوا، دون ان يدروا انهم يشيخون اذا توقفوا عن العشق..
للطفل سوف أعطي الأجنحة، لكنني سأدعه يتعلم التحليق وحده..
وللكهول سأعلمهم ان الموت لا يأتي مع الشيخوخة بل بفعل النسيان..
لقد تعلمت منكم الكثير ايها البشر.. تعلمت ان الجميع يريد العيش في قمة الجبل غير مدركين ان سر السعادة تكمن في تسلقه..
تعلمت ان المولود الجديد حين يشد على اصبع ابيه للمرة الأولى فذلك يعني انه امسك بها الى الأبد...
تعلمت ان الانسان يحق له ان ينظر من فوق الى الآخر فقط حين يجب ان يساعده على الوقوف..
تعلمت منكم اشياء كثيرة.. لكن، قلة منها ستفيدني، لأنها عندما ستوضب في حقيبتي اكون أودع الحياة..
قل دائما ما تشعر به وافعل ما تفكر فيه..
لو كنت اعرف انها المرة الأخيرة التي أراك فيها نائمة لكنت ضممتك بشدة بين ذراعي ولتضرعت الى الله ان يجعلني حارساً لروحك...
لو كنت أعرف انها الدقائق الأخيرة التي أراك فيها، لقلت "أحبك" ولتجاهلت، بخجل، انك تعرفين ذلك..
هناك دوماً يوم الغد، والحياة تمنحنا الفرصة لنفعل الأفضل، لكن لو أنني مخطيء وهذا هو يومي الأخير، أحب أن اقول كم أحبك، وأنني لن أنساك ابداً..
لأن الغد ليس مضموناً لا للشاب ولا للمسن.. ربما تكون في هذا اليوم المرة الأخيرة التي ترى فيها أولئك الذين تحبهم... فلا تنتظر اكثر، تصرف اليوم لأن الغد قد لا يأتي ولا بد ان تندم على اليوم الذي لم تجد فيه الوقت من أجل ابتسامة، أو عناق، أو قبلة، أو أنك كنت مشغولاً... كي ترسل لهم أمنية أخيرة.
حافظ بقربك على من تحب، أهمس في أذنهم انك بحاجة اليهم، احببهم واعتنى بهم، وخذ ما يكفي من الوقت لتقول لهم عبارات مثل: افهمك، سامحني، من فضلك، شكراً، وكل كلمات الحب التي تعرفها..
لن يتذكرك احد من أجل ما تضمر من افكار، فاطلب من الرب القوة والحكمة للتعبير عنها، وبرهن لأصدقائك ولأحبائك كم هم مهمون لديك..


المصدر:
              http://www.bayanealyaoume.press.ma/index.php?view=article&tmpl=component&id=1287 
http://www.maghress.com/bayanealyaoume/1287#.TkcS0BXdKe0.facebook 


 

الخميس، 11 غشت 2011

هل قتلت الاستخبارات السوفياتية ألبير كامي؟

       هل قتلت الاستخبارات السوفياتية ألبير كامي؟

 
حادث السير الذي قضى فيه الكاتب الفرنسي ألبير كامي العام 1960 عن 46 عاما قد يكون من فعل عملاء في جهاز الاستخبارات السوفياتية «كاي جي بي» بحسب ما أفاد أستاذ جامعي ايطالي، قوبلت أقواله بالتشكيك.




جوفاني كاتيللي الخبير في أوروبا الشرقية والذي نشرت نظريته في صحيفة «ايل كوريري ديلا سيرا » اكتشف هذه الرواية للأحداث على ما يقول في يوميات الشاعر التشكي يان زابرانا.
ويقول كاتيللي إن، في النسخة الأصلية من هذه اليوميات، مقطعا لم يترجم في النسخة الإيطالية يتحدث فيه زابرانا عن لقاء مع روسي مقرب من الاستخبارات السوفياتية ويروي عنه قائلا «لقد سمعت شيئا غريبا جدا من رجل يعرف الكثير ولديه المصادر لمعرفتها ».
ويضيف كاتيللي «يؤكد أن حادث السير الذي قتل فيه كامي العام 1960 دبرته أجهزة الاستخبارات السوفياتية. فقد عطلوا أحد إطارات السيارة بواسطة أداة مزقت الإطار».
ويوضح «إن الأمر لهذه العملية صدر شخصيا عن الوزير «الخارجية السوفياتي ديمتري شيبيلوف «مكافأة» على مقال نشر في مارس 1957 وقد حمل فيه كامي صراحة وبالاسم على الوزير بسبب أحداث المجر».
إلا أن هذه النظرية التي تحمل مكونات حبكات أفلام العميل السري جيمس بوند، لم تقنع الفيلسوف الفرنسي ميشال اونفري الذي سيصدر في يناير المقبل سيرة عن الكاتب الفرنسي.
وقال لوكالة الصحافة الفرنسية «لا أظن أن ذلك ممكن فـ(كاي جي بي) كان يملك وسائل للتخلص من كامي بطريقة مختلفة».
وأوضح «في ذلك اليوم كان كامي عائدا بالقطار وكان قد اشترى البطاقة وفي اللحظة الأخيرة قرر العودة مع ميشال غاليمار، ابن شقيق الناشر غاستون غاليمار، والسيارة كانت ملكا لغاليمار».
وشدد على أن «السوفيات ربما كانوا يرغبون بالتخلص من كامي هذا مؤكد، لكن ليس بهذه الطريقة».
فويتشك ريبكا من معهد دراسات الأنظمة التوتاليتارية في براغ شكك أيضا بهذه النظرية معتبرا أنه «لا يمكن التحقق منها.. كل المعلومات المثيرة للاهتمام التي حصلت عليها الشرطة السرية الشيوعية التشيكية والتي كان يرغب السوفيات بالحصول عليها أرسلت إليهم في موسكو، ولن يدع الروس أحدا الاطلاع عليها».
واللغز إن كان هناك من لغز، سيستمر تاليا حول مقتل اصغر كاتب حائز على جائزة نوبل للآداب، العام 1957 عن 44 عاما، في سيارة من نوع «فاسيل فيغا» التي كانت تسير بسرعة باتجاه باريس فاصطدمت بشجرة على بعد 24 كيلومترا من سانس واضعة حدا لمسيرة أدبية ناجحة مع كتب مثل «الطاعون» و«السقوط».
كان كامي كاتبا ملتزما وقد احتج على القمع الدموي للثورات في برلين الشرقية، يونيو1953، وفي بودابست، سبتمبر 1956.
---
تعليق الصورة: ألبير كامي