الخميس، 4 غشت 2011

خرسوا في «سنوات الرصاص».. ثم تطاولوا على الجميع الإثنين, 01 آب/أغسطس 2011 15:22 عبد الإله بلقزيز أرسل إلى صديق طباعة PDF Submit to Delicious Submit to Digg Submit to Facebook Submit to Google Bookmarks Submit to Stumbleupon Submit to Technorati Submit to Twitter Submit to LinkedIn [عبد الإله بلقزيز ] عبد الإله بلقزيز «مَن ليس معي، فهو عدوّي». هذه عقيدة رديئة في السياسة والثقافة والحياة العامة، مبناها على تقسيم مبسّط للعالم إلى خير وشر، وللافكار إلى صواب وخطأ، وللبشر إلى أهل وأشرار. لا مجال فيها لحدّ وسط. لا حاجة إلى الإفاضة في بيان ما تُضمره هذه العقيدة من مصائب ونوائب على الاجتماع الإنساني وخاصة على المجتمع الوطني والسّلم المدنية فيه، فلقد اختبرتها مجتمعات بشرية، ووقفت على باهظ أكلافها على صعيد وحدتها الوطنية وإرادة التعايش بين أبنائها كافة. إذ العقيدة تلك كانت أقصر طريق إلى الفاشية وإلى الحرب الأهلية على ما علّمتنا سوابق التاريخ المعاصر. وهي قبل ان تستوي ايديولوجيا سياسية وبرنامج عمل له أسنان وأظافر ويستقيم لها العود والشوكة، تبدأ فكرة في أذهان قلة وثقافة زمرة صغيرة من الكتاب أو السياسيين، ينشرونها في محيط يتسع حثيثاً، وخاصة حين تصادف الفكرة جمهوراً حانقاً ومنغلقاً ويائساً من رؤية أي أفق مطمئن، وتقع عليه. لا بد من التنبيه على أن أية بيئة ثقافية او سياسية تتسرب إليها هذه العقيدة المتطرفة تكون أيلولتها إلى تلوث وفساد، لأن سريان مفعولها فيها يُنهي أي شكل للحياة الثقافية والسياسية وقيم الإبداع والتفكير الحر والحوار والتنافس الشريف، أي جميع ما يجعل الثقافة والسياسة نصابا مدنيا وحضاريا في تاريخ المجتمعات والأمم، ورأسمالاً اجتماعياً للاستثمار في المستقبل. وظني بمعتنقي هذه العقيدة أنهم يعانون من نقص فادح في القيم التي تؤسس للثقافة والسياسة وإن نطقوا باسمهما شكلا من النطق لا يستقيم له أمر في معيارهما الدقيق. وأخص ضروب الإفساد والتلوث، التي تلحق ميداني الثقافة والسياسة من وراء تدوير هذه العقيدة المقيتة فيها، وأشدها خطراً ووبالاً، إرهاب الرأي او الموقف باسم الجماعة ـ أيا يكن حجمها ـ والمؤسسة و«النحن» المنتحلة والمرفوعة في وجه المخالفين! والتنزل منزلة الوصي على أهل الرأي جميعاً بزعم التمثيل الحصري والوحيد، او اختطاف الحق في النطق باسم الشعب في شأن لم يكل الشعب لأحد أن يقرر فيه نيابة عنه. وأكثر الدواهي المدهية شدة على النفس، في المصاب الثقافي والسياسي الجلل، ان يدس المأخودون بتلك العقيدة مفردات خشنة واستفزازية تنضح بالحقد في مخاطبة مخالفيهم، وعلى نحو يجافي أخلاق المخاطبة ولا يكاد ينتبه إلى الفارق في المقام بين المخاطب والمخاطب! شيء من ذلك بدأنا نشهده في الحياة الثقافية والسياسية المغربية بعد ان داهمتها العقيدة المقيتة تلك في العشرين عاما الأخيرة واستفحل أمرها، على نحو مخيف، في السنين الأخيرة المنصرمة. ضاق صدر الواحد بالآخر فما عاد يطيق ان يأتي رأياً مختلفا عن يقين لاذ به الاحاد من الناس وحسبوه الحق المطلق الذي لا شوب فيه. مَن يخرج عنه كالهالك إذ يزيغ عن المحجة البيضاء، وهو حينها مظنون في طويته، وليس من حق له في أن يجيل البصر والبصيرة في شؤون الثقافة والسياسة والاجتماع في وجود سدنة يحرسون الحقيقة والطريق القويم ويمثلونها. الحق الوحيد المتاح له (هو) أن يكون على مثالهم، يردد مقالتهم، وـ لِمَ لا؟! ـ يشرحها للعموم. يُرادف فعل هؤلاء السدنة المحترمين فعل جمهرة من المنتسبين إلى المجتمع الثقافي المغربي ينتدبون أنفسهم ممثلين رسميين لهذا المجتمع ومأذونين بالنطق باسمه من دون ان يخولهم بذلك أحد، وخاصة بعد ان فاض الجسم الثقافي عن ملابسه المؤسسية الضيقة، فبات جمهوره بالآلاف بعد إذ كان ـ قبل ربع قرن ـ يحسب بالمئات، هذا دون ان نستدرك على الكمّ بالنوع، فنلاحظ ان الثقافة بطبيعتها تتأبى قيود المؤسسة، فكيف إذا كان عمران الثقافة المؤسسي قد أصيب بالخراب العظيم! ولقد يمكن المرء أن ينسي تماماً ان في مجتمعه الثقافي مؤسسات، لولا ان من الناس من يُحفظ الحفظية ويستثير النفس حين يتنزل وصياً على أهل القلم جميعاً فيدعوهم إلى التزام رأيه واجتناب إبداء الرأي من دون علمه، وكأن آباء الرأي ومشايخه رعية لمخزن ثقافي حديث الميلاد! أما حين يكتب الكاتبون مقالات ناقمة على مَن يخالفونه الرأي في شؤون البلاد المصيرية، يخرج بهم النقد عن تقاليده وضوابطه إلى إتيان بعض الكلام غير النزيه، وإعمال مفردات تخدش المقامات وتنال من شرف المنقودين، وكأننا بهذا العنف اللفظي، وبهذه النزعة الافتراسية، أمام عقيدة جديدة في الثقافة غريبة عن مجتمع المثقفين المغاربة. والحق ان المرء يتولاه بهر بهذه الشجاعة عالية الجرعة التي يمنحها بعض هؤلاء الكاتبين لأنفسهم، لممارسة القتل الرمزي، لطيف عريض من المثقفين والباحثين، لمجرد الرغبة في تصفية الحساب مع زيد أو عمرو منهم، وكأن ساحة الثقافة ميدان رماية أو حلبة ملاكمة! وليس يعرى مجتمع السياسيين في المغرب من هذه الآفة وإن كانت حاله ـ ويا للغرابة! ـ أقل سوءا من أحوال المجتمع الثقافي الصحية على الرغم من ان أخلاق التشهير والنكير والوصاية والسجال المبتذل والمضاربات الايديولوجية والقتل المعنوي والتطاول على المقامات وسواها من الأفعال النظير، إنما وُلدت في حقل السياسة والحياة الحزبية، قبل ان ترحل الى الثقافة وتنتجع فيها، في العقدين الاخيرين، فتنهش في نظامها القيمي. كانت مفردات المخاطبة السياسية، قبل عشرين عاما او يزيد، اكثر عفة وتهذيبا مما هو عليه أمرها اليوم، وادعى إلى توقير الخصوم من لغة الشتائم السيارة اليوم، على كل الألسنة. كان في وسع الخصم ان يتهم خصمه بالإصلاحي، والبرجوازي الصغير، والمراهن على أنصاف الحلول، والمسكون بوهم الحل الديموقراطية المؤسساتي لأزمة التغيير. وكان يمكن نعته بالتحريفي أو الدوغمائي او اليساري المتطرف وما شابه. وكان يسع قسماً من المغاربة ان ينعت قسماً آخر (حاكماً) بالطغاة، وان ينعت قسماً آخر بالتعيش من مائدة النظام على الفتات، وان يدمغ جماعات اليسار بنعت العصاة... الخ، لكن أحداً من هؤلاء لم يستسهل يوما وصف خصومه بالملاحدة او الغزاة فيزج بالخلاف في نفق خطير مظلم لا يتبين في نهايته أفق! إنه التصحر العقلي، إذن، وقد اصاب الوعي السياسي المغربي في هذه الحقبة العجفاء منه: حيث بات في وسع الجميع ان يصيروا سياسيين وان تعلو أصواتهم على خلق الله جميعا، وهم كانوا خُرسا في «سنوات الرصاص» حين الناس إلى السجون والمحاكمات كانوا يساقون بالمئات. نبتوا فجأة على جنبات الحقل السياسي ومجاريه، وزحف نبتهم ليغمر الحقل كله على حين غرة ممن أنتجتهم ايام السياسة وملاحمها في سنوات الستينيات والسبعينيات الصعبة. نعم، أحزابنا السياسية الوطنية والتقدمية ليست مقدسة لتعلوا على النقد، وهي أحيانا ليست مرضية لنا أو مقنعة، لكن التطاول عليها وعلى تراثها بالقذف واللغة العدمية ليس من السياسة في شيء، وهو ـ قطعاً ـ لا يبني عمراناً سياسياً. ومن الخفة ان يختزل تاريخ أحزاب عريقة في موقفها من مسألة واحدة فتوضع في ميزان الجزاء والعقاب على هذا المقتضى، وكأن المسألة تلك هي كل شيء في السياسة والحياة! لا يناظر هذا الاستسهال للسياسة وللإحداث فيها فداحة سوى استسهال الكتابة وادعاء الانتساب إلى أهلها وإساءة تقاليد الضيافة. التطاول على رموز الفكر والثقافة، باسم الثقافة، اغترار لا عهد لمجتمعنا به قبل ان يهل هلال حقبة الجزر الثقافي المؤسسي. إنه القفى الموضوعي للتطاول على الأحزاب الوطنية وتراثها النضالي. وكما لا يضير المناضلين ان يُشتموا من مخالفيهم الذين أحدثوا في السياسة إحداثا، لا يضير المثقفين ان يلقوا من بعض الكاتبين شيئا من ذلك القدح. على ان الحكمة تقول ان المرء لا يبني مكانه ومكانته من النهش في لحم من سبقه، وإنما يبنيها بالإبداع والانتاج والدأب على العمل الصادق. بهذا وحده ننتقل من المناقرة السياسية إلى العمل النضالي المنتج، ومن الثرثرة إلى الكتابة، «وفي ذلك فليتنافس المتنافسون». كاتب وأكاديمي من المغرب Submit to Delicious Submit to Digg Submit to Facebook Submit to Google Bookmarks Submit to Stumbleupon Submit to Technorati Submit to Twitter Submit to LinkedIn التعليقات #1 حين يتأجج الصراع الأجتماعي — Aziz rak 2011-08-01 21:19 نعم انعمتنا بهذا النقد تجاه اخر زمان مثقفينا وساستنا. فحين تنعدم الحرية في التفكير خارج الفكر السائد ويصبح العقل مستلبا بقانول المال والربح والتألق المهني والوظيفي فان الأ خلاق الأنسانية تنهار. فماذا عسى المثقف و السياسي ان ينطق به امام احتدام الصراع وبؤس الفكر الأنساني سوا عدم الآعتراف بالآخر و بحق الآختلاف. انها انانية الآنسان و برغماتية المغربي المشدود اعوجاجا الى بما يسمى الخصوصية المغرية كأن تاريخ الآنسانية يقف مكتوف الآيدي امام مجتمعنا هذا في زمن الآنحطاط والتآزم المجتمعي. لكن هذا البؤس وانخراط بعض فآت المجتمع السياسي والثقافي في تبادل النعوت الغير الحضارية هي في المنطق السياسي محاولة لتحريف الصراع والباسه جلبابة مزركشة لان شعار المرحلة بات يدك جدوره في عمق المشكل والإشكال وبدون لبس او تناور. لذا اصبح الصراع ذو وجه غير مقنع واصبحت ادوات وآلات الصراع مكشوفة عنوانها الأرتباك يليه التصادم بكل ما اتيح من سلاح ولو بالقدف الكلامي. انه جزء من الأساليب المتاحة في حلبة كثرة فيها المعادلات والحسابات حتى الجزئية منها. انه صراع بين و كل ابوابه مفتوحة من القتصادي و الأخلاقي. #2 متاهة التاريخ — عابر 2011-08-01 21:49 باختصار شديد نحن وسط عاصفة التاريخ والمظلومون لابد وأن يمدهم الله بأسباب الإنتصار ، العديد من الجبابرة إعتقدوا أن التاريخ هم فأرادوا نحت عصرهم على مقاسهم غير مبالين بشعوبهم ؛ دلت واستعبدت وأهينت وتم التشفي بها ؛ إعتقد الطغاة أنها متتاليات حسابية ليس إلا مجردة من كل معنى . إلى اليوم الذي يظهر فيه متغير واحد يجمع المتتاليات في رقم واحد يتحدى كهنة المعبد أن يقدموا له تفسيرا واحدا فلن يستطيعوا ليصبح شغلهم الشاغل تقديم تفسيرات متناقضة للطغاة ليدخل الأخيرون متاهة الشك التي لن يخرجوا منها إلا على استفاقتهم المتأخرة داخل زنزانة التاريخ يحاسبون كما يحاسب أي لص يقضي الوقت كاملا في الدفاع عن مسروقاته ! #3 bravo si abdelilah — fakhredine mhamed 2011-08-01 23:00 merici pour votre intervention au profit de nos jeune militant desesperes qui ne font que provoquer pour faire appel a l'aide... je ne vais pas dire plus et a la suite tous le monde est invite au festin de la revolution marhaba wa ahlan #4 اي احزاب؟ — idir 2011-08-02 00:08 ل نحن لم نعد نعترف بما سميتها احزابا وطنية لانها: - باعت كل شيء بما فيه مبادءها - لانها اسست لايديولوجية عروبية ورطتنا في صراعات خاسرة مسبقا - لانها شرقية الفكر و لا علاقة لها بقضايانا و استسمح ان قلت بان من يمثل العروبة العرقية في بلدنا لا يحق له الكلام عن الوطنية و كل مشتقاتها.. لقد اراد الكاتب الدفاع عن احزاب لم تستطع اقناع المغاربة لمجرد المشاركة في الانتخابات، احواب ابانت عن فشلها الذريع، احزاب تعاني من الابوية و الجمود العقائدي. احزاب لا تتحرك الا لنصرة قضيتهم فلسطين لاستعراض عضلاتها في الشوارع امام المخزن، احزاب تواطات مع الاستعمار للقضاء على المقاومة المسلحة، احزاب وقعت موت الامازيغية منذ ان سيطروا على السلطة بدعم من الاستعمار و بتعاون معه. اما مثقفيها فلا نسمع لهم صوت اليوم يدل على انهم يعيشون المرحلة فجلهم لازال يحلم بذاك العالم المسمى عربيا و يدفع في الاتجاه المعاكس لفرض عروبة مهزومة في عقر دارها و لو ادى بهم ذلك الى الاصطفاف وراء المخزن و ضرب بعرض الحائط القيم الحقوقية التي اصبحت قاعدة القيم في هذا العالم الجديد. لقد تجاوزكم التاريخ . #5 bravo — Elhabib BIROUK 2011-08-02 12:24 On a tellement besoin de ces analyses éclairées en ces temps de populisme et de démagogie sauvages. Merci professeur #6 أحزاب فقدت شرعيتها — kamoun 2011-08-02 21:53 الأحزاب التقدمية التي تتحدث عنها أصبحت مدحنة وبعيدة عن آمال وطموخات الجماهير التي كانت تدعي الدفاع عنها ةعت مطالبها في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية .. لقد فاتها القطار لأنها ارتمت في أحضان المخزن التي زعمت أنه مات ، بينما الحقيقة أنها هي التي ماتت ، لأنها غيبت الديمقراطية الداخلية ونخرت الأرضة هياكلها المهترئة ، وحين انتبهت إلى ذلك ، وعوض أن تمارس النقد الذاتي وتعودإلى جادة الصواب ، اختارت فتح دكاكينها الانتخابية للأعيان لشراء أصوات الجياع ، للظفر بأكبر عدد من المناصب البرلمانية والحكومية وبذلك حق نعيها وعدم اخترام رموزها الذين تحولوا إلى دمى تحركها خيوط من وراء ستار . #7 لم أفهم — متوسط 2011-08-03 02:14 خرسوا في «سنوات الرصاص».. ثم تطاولوا على الجميع من هم؟؟؟؟ تحديث قائمة التعليقات توصل بالتعليقات على المقال عبر RSS. أكتب تعليقا الرجاء من السادة القراء ومتصفحي الموقع الالتزام بفضيلة الحوار وآداب وقواعد النقاش عند كتابة ردودهم وتعليقاتهم. وتجنب استعمال الكلمات النابية وتلك الخادشة للحياء أو المحطة للكرامة الإنسانية، فكيفما كان الخلاف في الرأي يجب أن يسود الاحترام بين الجميع.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق